بسّام الوكيل : الفساد والسوق الموازية أنهكا اقتصاد البلاد .. وحكومة الصيد لا تملك أيّ برنامج

بسام لوكيل
بسام لوكيل

يعدّ رجل الأعمال بسّام الوكيل أحد الشخصيات المتميّزة في الجيل الصاعد من المستثمرين الذين برزوا بشكل لافت خاصة بعد الثورة. الرئيس المدير العام لـ”مجمّع الوكيل” الذي يعتبر من الكتل الاقتصادية الوازنة على المستوى الوطني، التقته “حقائق أون لاين” في مكتبه للحديث عن حصيلة الزيارة الأخيرة التي نظّمها مجلس الأعمال التونسي-الافريقي للمشاركة في ملتقى استثماري في العاصمة المالية باماكو وللتطرق إلى الوضع الاقتصادي الراهن في تونس والذي يوصف بـ”المأزوم” في ظلّ تغوّل السوق الموازية والتهريب وتفشي مؤشرات الفساد، فضلا عن تراجع نسبة النمو وسط تساؤلات واخزة و مؤرقة بشأن مستقبل الديمقراطية الناشئة والثورة التي مازالت لم تحقّق بعدُ أهدافها التي قامت من أجلها كالتقليص من حجم البطالة وخلق مناخ ملائم للاستثمار لمراكمة الثروة ومكافحة الفقر واللاتوازن في التنمية بين تونس العاصمة وبعض المناطق الساحليّة وبقيّة الجهات في الداخل والجنوب التونسيين.
وفي ما يلي الجزء الأوّل من نصّ الحوار المطوّل و الجريء الذي تحدّث فيه بسّام الوكيل بلا قفازات عن تحفظاته من السلطة السياسية الحاكمة بعد الانتخابات الفارطة ورؤيته للخروج من أتون الأزمة الحاليّة التي يمرّ بها الاقتصاد الوطني في تونس.

ترأستم مؤخرا وفدا عن مجلس الأعمال التونسي-الافريقي زار مالي بحثا عن سبل توطيد وشائج استثمارية واقتصادية. هل حقّقتم الأهداف المرجوة؟

في البداية نحن تفاجأنا بعدد المشاركين. فلقد قلنا منذ الوهلة الأولى انّ الوفد الذي سيتنقل إلى باماكو لا يجب أن يضمّ أكثر من 30 مشاركا لأنّ مالي كما تعلمون هي بلد إفريقي والتنظيم فيها خاصة من الناحية اللوجستية يكون دائما صعبا. ولكن في اليومين الأخرين بلغ الأمر أن رفضنا زهاء 11 مشاركة.

هي كانت تجربة أولى في بلد لا نعرف عنه الشيء الكثير. ونحن قلنا منذ البداية من المهم على الأقل أن يكون للمشاركين في الوفد الحظّ الأوفر لاكتشاف الفرص ولاجراء اللقاءات.

في مالي، الاستقبال الذي حظينا به من طرف السلطات المالية كان مفاجئا للغاية وذلك له جذور ممتدّة لدى عدد من الاخوة الماليين الذين درسوا في تونس.

يمكن القول انّ تونس لديها في مالي رأسمال رمزي خارق للعادة. وأستطيع التأكيد على أنّ ثلثي الوزراء الذين قمنا بزيارتهم إمّا درسوا في تونس أو ان أبناءهم هم بصدد الدراسة في بلادنا أو في أضعف الحالات قام البعض منهم بزيارة تونس مرّة أو مرّتين للعلاج سواء بالنسبة لهم أو لأقاربهم. بحيث الرأسمال الرمزي للتونسيين موجود في مالي.

ثانيا السفير المالي الموجود في تونس قام بعمل جبّار لانجاح فعاليات مهمة البعثة التونسية التي شاركت في فعاليات ملتقى الأعمال التونسي-المالي. وبالتالي مستوى اللقاءات ومستوى حضور الشركات المهتمة بتونس والتي لها أصداء ايجابية عن جودة المنتوج التونسي.كلّ هذا سهّل مأمورية رجال الأعمال التونسيين الذين تنقلوا إلى مالي.

نحن في الزيارة قررنا التركيز خاصة على القطاع الطبي ومواد البناء والتعليم العالي والقطاعات الميكانيكية والمواد الغذائية بالأساس. وقد وجدنا حظوة بالنسبة للمنتوجات التونسية لدى الماليين.

وفي يوم الافتتاح، زار الملتقى أكثر من 200 رجل أعمال مالي. هذا بالاضافة إلى الذين لم يتمكنوا من حجز أماكن داخل القاعة. ونحن للأمانة لم نكن نتوقع حصول نجاح باهر مثل الذين تحقّق. والاعلام هناك خلق شغفا وحبّا لاكتشاف مقترحات التعاون من قبل الوفد التونسي.

اللقاءات الثنائية التي نظمت على هامش الملتقى في الفندق الذي أقمنا فيه دامت 3 أيّام. وقد كانت هناك أيضا زيارات ميدانية استكشافية.

من الناحية العملية، ماذا أثمرت اللقاءات الثنائية التونسية-الماليّة التي تحدثتم عنها؟

(مبتسما) لا يمكن أن أمدكم بالتفاصيل لأن هذا يعدّ من أسرار الشركات. لكن ما أؤكده أنّه تمّ التقدّم في إحداث جامعة حرّة في مالي. وهناك جامعة أخرى خاصة من صفاقس تشتغل في مجال الهندسة والإعلاميّة فتحت آفاقا لجلب طلبة ماليين متحصلين على منح جامعية. الآن لدينا من الماليين في تونس 2500 طالب من أصحاب المنح الجامعية وفي وقت ما وصل العدد إلى حوالي 6000. لكن بعد الثورة العديد من الماليين كانت لديهم هواجس أمنية فذهبوا إلى المغرب. واليوم هناك عزم على العودة للدراسة في تونس.

فظروف الاقامة في المغرب وتعامل الاشقاء المغاربة معهم حسب ما بلغنا من أصداء ليسوا مرتاحين له بالنسبة للطلبة الماليين والسلطات المالية المعنية أيضا. هم يعتبرون أنّ تونس أفضل ومستوى التعليم التونسي يبقى أحسن من نظيره المغربي.

والجامعة الخاصة المنتصبة في صفاقس الانف ذكرها لاقت القبول الحسن في مالي وهو ما يفسر الرغبة في مضاعفة حصّة الطلبة الذين يتمّ ارسالهم للدراسة في تونس من المتحصلين على منح جامعية من الدولة المالية. هذا بالاضافة إلى أنّ الملتقى أعطى فرصة للتعرف على الجهات المختصة المالية التي ترسل الطلبة على الحساب الخاص وليس العمومي.

ووزير التعليم العالي المالي أعطى تعليماته من أجل أن يتم تذليل الصعوبات حتّى يتم التعامل مع هذه الجامعة الخاصة التونسية التي لأوّل مرّة تشارك في مثل هذه التظاهرات في الخارج وفي افريقيا أيضا.

علاوة عن ذلك، تحوّل معنا ضمن الوفد رجل أعمال في مجال صناعة التجهيزات والمنتوجات الموجهة لقطاع التعليم وهو أيضا من صفاقس. وقد لاحظنا أنّ الماليين يفضّلون التعامل مع التونسيين عوضا عن مصنّعين ومنتجين من جنسيات أخرى.

في مجال الصحّة، تحول ضمن الوفد ممثلون عن 4 شركات تبحث عن ترويج للخدمات (السياحة الاستشفائية تستقطب من الماليين إلى تونس حوالي 25 ألف زائر سنويا) أو التجهيزات الطبية. ونحن نعتقد أنّ هناك هامشا كبيرا لتطوير العلاقات التونسية المالية في هذا الاختصاص الهام لو يتمّ التسويق أكثر وبطريق جيّدة للمنتوج التونسي خاصة في السياحة الاستشفائية.

مالي تضمّ 16 مليون نسمة ولكن في القطاع الصحي تعاني من مشاكل جمّة. لهذا جلّ الماليين يعالجون في الخارج وهذه فرصة لتونس لكي تقوم ببعث مركز للفحص الطبّي في مالي يقوم باستقطاب المرضى للعلاج في تونس. وبالامكان أن يقوم بعض الاطباء التونسيين بالتداول على العمل هناك بصفة دورية من أجل توجيه المرضى إلى تونس في مرحلة ثانية.

والفكرة اليوم هي أن يقوم بعض الاطباء التونسيين ببعث مركز طبّي تونسي كبير هناك يمهّد لاستقطاب وفود من المرضى الماليين الذين يبحثون عن طبّ الاختصاص في تونس خاصة في ظلّ تراجع أعداد الليبيين الذين يعالجون في بلادنا وهو ما من شأنه أن يخلق الموازنة.

من جهة أخرى، وفي ميدان البناء ، هذا المجال بصفة خاصة فيه آفاق كبيرة. إنّ مالي اليوم تساوي ضعف مساحة تونس 8 مرّات وهي بلد غير ساحلي ولا يستقطب كثيرا الشركات الكبرى العاملة في قطاع البناء، وعلينا استغلال مثل هذه العوامل لاسيما في ظلّ عدم توفر مواد البناء هناك مثل الخزف وامواد لديكور. أعتقد أن الأبواب مفتوحة في مالي على مصاريعها بالنسبة للمختصين من التونسيين في مجال البناء.

الرأسمال الرمزي و الرصيد العاطفي تجاه تونس الذي تحدثتم عنه من قبل الماليين والأكيد أيضا من قبل العديد من البلدان الافريقية ، إلى أيّ حدّ سعت السلطات التونسية وخاصة الحكومات المتعاقبة بعد الثورة على دواليب الحكم إلى استغلالهم واستثمارهما بشكل ناجع ومفيد للاقتصاد الوطني وللمستثمرين؟

في هذا المضمار، ما أؤكده أنّ إفريقيا كوجهة اقتصادية لم تنل حظّها إلى حدّ الان. لم يكن هناك أيّة حكومة اهتمت بالسوق الافريقية من أجل دعم تواجد رجال الأعمال التونسيين في إفريقيا.

المحاولة الوحيدة التي تمت هي زيارة الرئيس السابق المنصف المرزوقي لعدد من الدول الافريقية في “رحلة شهيرة”، وهي لم توجه كثيرا لميدان الأعمال بقدر ما وجهت لتسجيل الحضور التونسي في القارة الافريقية.

غير تلك المحاولة لم يحصل أيّ مجهود يذكر. وهذا خطأ كبير لأنّه في السنوات الخمس الأخيرة الصينيون والأتراك والمغاربة قاموا بعمل كبير في إفريقيا رغم أنّ تونس في وقت من الأوقات كانت الشريك الممتاز للدول الافريقية.

اليوم أصبحت تونس في المركز الخامس، او السادس و ربّما السابع في قائمة الشركاء المتميزين الأوائل خاصة لبلدان افريقيا الاعماق.

للأسف تونس خسرت بشكل كبير السوق الافريقية. وحقيقة لم تكون هناك أيّ حكومة بعد الثورة اهتمت بالشأن الافريقي.

في اعتقادكم ماهو المطلوب اليوم لتدارك ما وصفتموه بالخطأ الذي تسبّب في خسارة تونس لموقعها الذي كان متميّزا على الصعيد الافريقي؟

لابّد من وضع خطّة استراتيجية موجهة للشأن الافريقي. أوّلا يجب تحديد عوامل الأفضلية التي تميّز الخدمات والمنتوجات التونسية في مجالات بعينها يمكن أن تكون لنا فيها فرص للنجاح أكثر من بلدان منافسة أخرى.

أيضا اليوم هناك مشكل لوجستي وهو تكلفة النقل مثلا إذا ما قارنا أنفسنا بتركيا أو الصين.

على سبيل الذكر نقل البضائع من تونس إلى مالي تكلفته عالية جدّا و تناهز ثلاث مرّات عملية نقل البضائع والمنتوجات المغربية إلى هناك.

لابدّ أن تعالج الدولة التونسية إشكال النقل واللوجستيك قبل الحديث عن محاولة فتح أسواق افريقية.

ايضا يجب وضع اتفاقيات مع هذه البلدان لضمان حقوقنا الاقتصادية. فالدولة التونسية لم تتحرّك ولدينا للاسف اتفاقيات قديمة هي بدورها لم يتمّ تفعيلها. وحتّى الاقتراحات التي وصلت إلى السلطات التونسية من قبل بعض الدول الافريقية لوضع اتفاقيات جديدة لم يتمّ الردّ عنها. وفي السنوات الخمس الماضية لم يكن هناك جسور تواصل متينة مع البلدان الافريقية التي تريد أن تربط معنا وشائج تعاون وشراكة اقتصادية.

وحتّى بعض اللجان المشتركة بين تونس وبلدان افريقية التي تنعقد من حين لآخر لم يتمّ فيها تشريك رجال الأعمال. الدبلوماسية التقليدية بتصوراتها القديمة انتهت. اليوم نحن إزاء مفهوم جديد هو الدبلوماسية الاقتصادية التي لا بدّ من تشريك رجال ونساء الأعمال فيها.

أخيرا، لا بدّ من الأخذ بعين الاعتبار بأنّ شركة الخطوط الجويّة التونسية لها آفاق و أسبقية في وجهات عديدة افريقية يجب التوجه إليها ضمن استراتيجية جديدة لضمان مصالح تونس هناك. على سبيل الذكر ما جدوى فتح خطّ بين تونس والخرطوم؟ هنا لا بدّ أن نتساءل عن مستوى المعاملات التونسية السودانية قبل اتخاذ قرار وضع خطّ نقل مباشر. ألم يكن من الأولى تركيز خطّ بين تونس والكاميرون او الغابون في الوقت الحالي أليس أفضل لنا ولمصلحة البلاد بشكل عام؟

أنا كرجل أعمال قبل كلّ شيء أنظر إلى مؤشرات النمو و آفاق الاستثمار قبل أن أختار الوجهة التي سأمضي نحوها للعمل و لتطوير العلاقات وخلق فرص جديدة تدعم الاقتصاد الوطني.

للأسف اليوم كلّ هذا لم يحدث. الخطوط التونسية تخطّط بمفردها ووزارة النقل تعيش في عالم آخر.

اليوم هناك تركيز كبير على الكوت ديفوار التي تقلصت فيها حظوظ الاستثمار. يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أنّ عقلية رجل الأعمال التونسي وطريقة التعامل والتواصل هي عامل قوّة بالنسبة لنا مقارنة مثلا بالصينيين لدى البلدان الافريقية. نحن في حاجة ماسة لاستغلال مثل نقاط القوّة هذه.

في الفترة الأخيرة، ومن خلال متابعتنا لما تنشرون من تدوينات على صفحات التواصل الاجتماعي لاحظنا ما يمكن أن نسميها “صيحة فزع” أطلقتموها بسبب الاقتصاد الموازي وتفشي ظاهرة التهريب. هل بلغ السيل الزبى بالنسبة لكم كمستثمرين وأصحاب الأعمال في ظلّ الوضع الاقتصادي والمالي الحالي المأزوم ومجهول العواقب؟

نحن منذ السنتين أو أكثر نندّد بالسوق الموازية. اليوم هناك عجز في الموازنات العامة للدولة مفزع للغاية. هناك عجز مالي خطير وخزينة المالية التونسية دمرت ونسبة النمو سلبيّة.

اليوم يقال انّ ميزان الدفوعات تحسّن على حساب الواردات وهذا يعني أنّنا إزاء أزمة. ولايجب أن نفرح كثيرا. الصادرات تقلّصت.وهو مؤشر سيئ للاسف والبنك المركزي لا يجب أن يبتهج لذلك.لو أنّ الصادرات تطورت نحو الأفضل لقلنا هذا أمر جيّد. فالصادرات والواردات بصدد التقهقر ولو أنّ نسق التراجع مختلف بين الاثنين. وعملية الانتاج حاليا معطوبة. وهناك مطالبة للقطاع الخاص بتشغيل 50 ألف عاطل عن العمل. نحن على استعداد لذلك لكن كيف؟

حاليا هناك تراجع لنسبة النمو و لاتوجد رؤية واضحة فضلا عن كون الدولة مازالت لم تستمثر في البنية التحتية وأنا كرجل أعمال ومستثمر “ناكل في العصا” من قبل السوق الموازية الذي يناهز حاليا 55 أو 60 بالمائة. هنا لسائل أن يتساءل كيف يمكن تشغيل الـ50 ألف عاطل عن العمل؟ هل يتم ذلك عبر جمعية خيرية؟

نحن اليوم في مأزق ونسعى جاهدين للحفاظ على مواطن الشغل التي وفرتها أنشطتنا.

في ظلّ عجز الدولة وغياب النمو وأفق للنشاط الصناعي بالنسبة للمؤسسات بغض النظر عن التجارة التي تواجه ضربات قاصمة من السوق الموازية، وإزاء مطالب التنمية والتشغيل والاستثمار لابدّ من غلق البوغاز الذي فتحه الاقتصاد الموازي.

بماذا تفسّرون التفشي المهول لهذه الظاهرة الخطيرة خاصة في الأعوام الأخيرة التي قد يجوز القول إنّها قد دمّرت الاقتصاد الوطني؟

في الحقيقة، هناك عدّة أسباب تفسّر هذه الظاهرة. أوّلا بسبب ضعف القرار السياسي وغياب الجرأة لمكافحة السوق الموازية. وثانيا عدم تفعيل الوسائل التي تبقى موجودة حيث لابدّ أن تكون هناك جرأة في قانون المالية والتعاطي مع الاقتصاد الموازي. من خلال التجارب المقارنة الدول التي نجحت في محاربة السوق الموازية الاجراءات التي اتخذتها معروفة على مستوى التعريفة الجمركية وتسريح الواردات.

أيضا لا بدّ من محاربة الفساد الذي أنهك أجهزة الدولة.

هل نفهم من متن كلامكم اتهاما ضمنيا للدولة بالتواطؤ مع الفساد؟

التواطؤ كلمة كبيرة. أنا أعتبر أنّه قد تمّ غضّ النظر وعدم مواجهة الفساد بالقوّة المطلوبة.

وتصنيف تونس اليوم على مستوى الفساد مؤشر خطير وهو أمر مقلق ويبعث على الانشغال. وللاسف من سنة لأخرى هو بصدد الاستفحال. والحكومة معترفة ضمنيا بأنّ البلاد تعاني من مشكل الفساد المتفشي حاليا.

الفساد ليس أشخاصا بل هو منظومة كاملة. يجب تحديد أسبابها ومن يقف وراءها اي اجراء التشخيص الحقيقي قبل المعالجة.

اليوم كلّنا نعرف المرض ولكن لم نر تشخيصا جريئا له. وليس هناك نيّة لمكافحة السوق الموازية. بارونات السوق الموازية الذين في وقت من الاوقات مولوا حملات انتخابية هم اليوم يضعون أياديهم على أجهزة كاملة صلب الدولة في عدّة مستويات. هؤلاء لا بدّ من تجفيف منابع الجذور التي يتمعشون منها مثل الفارق الجمركي.

لو نتحدث كمثال عن مجمّع الوكيل الذي يمثّل اليوم كتلة اقتصادية وازنة في تونس. ماهو حجم الأضرار التي لحقتكم بسبب السوق الموازية وتنامي الفساد في البلاد؟

على المستوى الوطني وهي تقديرات لبعض المكاتب المختصة وبناء على تقارير البنك العالمي في سنة 2015، خسارة الدولة جرّاء التهريب والسوق الموازية يعادل 1.5 مليار دينار سنويا. وهذا رقم ليس بالهيّن. ولو تدخل هذه الاموال لخزينة الدولة ويتم استثمارها في المناطق المهمشة وفي البنية التحتية لفكّ العزلة عن الجهات الداخلية ستعرف البلاد تطورها هاما.

وبالنسبة لمجمع الوكيل، نحن لدينا أكثر شركة صناعية متضررة وهي المعامل الآلية بالساحل. نحن الان لو ننزل للتجوّل في وسط العاصمة قرب ساحة برشلونة ستجد انتصابا لبيع التجهيزات المنزلية كالحنفيات على قارعة الطريق بلا رقيب.

والخطير أنّ العلامة التي يتم الترويج لها بصفة غير قانونية هي لشركة المعامل الالية بالساحل المنضوية تحت مجمع الوكيل. ومثل هذه المنتوجات لا علاقة لها بما ننتجه من حيث الجودة. وتقريبا نحن أصبحنا نوفر 20 بالمائة من حاجيات السوق في حين أنّ السوق الموازية توفر 80 بالمائة.

هل تمكنتم من تحديد الجهة التي تقوم بانتحال العلامة التجارية للمعامل الآلية بالساحل؟

نحن نعرفهم وقد اكتشفناهم وتحصلنا على فاتورات من عندهم ورفعنا قضيّة ضدّهم في أكثر من مرّة ولكن للاسف الظاهرة مازالت متواصلة.

هل هذا يعني اقرارا منكم بوجود تقصير من القضاء؟

التقصير ليس من القضاء بل من الجهات المختصة التي يجب أن تداهم المحلات و تسال عن مصدر مثل هذه المنتوجات المقلّدة. هذه العملية تقريبا منظمة وبعض المحلات التجارية للاسف تعرضت لعملية تحيّل وقد تضررت من منتوجات السوق الموازية. وهناك بعض المنتوجات المقلدة التي يتم جلبها من الصين تحمل سموما بسبب غياب الجودة الصناعية فيها.

من الواضح أنكم لستم مرتاحين للوضع الاقتصادي ومناخ الاستثمار في الوقت الراهن، لكن لسائل أن يتساءل عن مسؤولية رجال الأعمال و المستثمرين ايضا في ما وصلت إليه البلاد من صعوبات وتعثّرات خطيرة على مستقبلها. ألا ترى أنّه من الاجحاف إلقاء اللائمة فقط على الحكومة والدولة في حين نجد انخراطا لبعض رجال الأعمال في منظومة الفساد وحتّى أيضا في لعبة الشطرنج السياسي بما لها وما عليها؟

المعلوم تاريخيا أنّه بعد الثورات والخروج من الديكتاتورية يكون لرجال الأعمال طموح للعب دور سياسي من أجل التأثير على الحكومات في اتجاهات معينة. وتداخل رجال الاعمال في السياسة في ظلّ الانظمة الديمقراطية موجود عالميا وليس بأمر جديد.

أنا لا أعتقد أن تدخل رجال الأعمال في مجال السياسية لوحده تسبّب في إيقاف عجلة النمو.

غياب الرؤية والبرنامج الواضح للدولة هو المتسبّب الرئيسي في الوضع الحالي.

حتّى في ظلّ الحكومة الحالية التي يقودها الحبيب الصيد؟

الحكومة الحالية مسكت بدواليب الحكم بلا برنامج وهذا أمر واضح للعيان. وبالتالي لم تكن لها وسيلة لاقناع رجال الأعمال لكي يواصلوا الاستثمار على أمل تحقيق نتائج في القريب العاجل أو على المدى المتوسط.

الرؤية الان غير متوفرة والاستثمار عادة يكون على مستوى 5 و 10 سنوات. نحن لا نملك فكرة شافية وصافية عن توجهات الدولة حاليا في المناطق و الامتيازات التي يمكن أن تمنح لقطاع أو لآخر من أجل دفع عجلة الاستثمار.

السوق التونسية صغيرة ويجب أن تكون لدينا شركات كبرى قادرة على المنافسة في الخارج في افريقيا مثلا.

الاستثمارات الكبرى من الضروري أن تكون موجهة أيضا للسوق الخارجية من أجل التصدير. هذا حاليا غير موجود. مجلة الاستثمار مازالت منسية ربّما والمشروع الجديد مازال لم ير النور. المستثمر حاليا متأثر بهاجس السلم الاجتماعي لوضع الامني.

نحن منذ سنوات والبلاد تتخبط بسبب الارهاب الذي يتغذى من التهريب باعتباره أحد روافده. وهناك أيضا ما أسميه الارهاب الاقتصادي الذي ليس للدولة أيّة رقابة عليه وقد تمكن للاسف من انهاك الطاقة التشغيلية في القطاع الخاص.

هذا جعل رجال الأعمال يقتربون أكثر من مجال السياسي في محاولة منهم للتأثير على توجهات الحكومة والقطاعات التي يجب أن تتميّز على حساب قطاعات أخرى. كلّ هذا يتمّ في ظلّ غياب رجل قوّي في الدولة و تطبيق القانون.

يرى البعض أن تونس اليوم حالها كحال السفينة التي تشقّ بحرا أمواجه مضطربة و رياحه عاتيّة دون ربّان . فهل تشاطرونهم هذا الراي ؟

بالتأكيد.

كيف ولماذا؟

اليوم بعد سنة ونيف من الانتخابات الفارطة من من السياسيين أو قادة الدولة اتخذ قرار جريئا وقام بتطبيق القانون على الجميع؟

الديمقراطية لا يمكن توطيد أركانها والدولة لا يمكن أن تتقدّم دون جرأة في اتخاذ قرارات وتطبيق للقانون.

ما معنى اليوم أن يقوم شخص ببناء حائط على السكّة الحديدية ويتمّ ترويج الصورة على الفايسبوك التي وصل صداها إلى الخارج؟

هذا مرفق عمومي ومصلحة وطنية، فماذا تنتظر الدولة لكي تقوم بتطبيق القانون؟

الانتخابات اليوم افرزت وضعا سياسيا يجب القبول به. وليس من المعقول أن يحاول البعض عدم الاعتراف بتلك النتائج ويطالبون بالحرق والفوضى.

يجب تطبيق القانون واحترام قواعد اللعبة الديمقراطية وبعد 5 سنوات تنتهي الولاية ومهما كانت نتائجها الشعب ستكون له مرّة أخرى الكلمة الفصل.

يجب احترام الديمقراطية والقبول بما افرزته صناديق الاقتراع والسعي للعمل على التدارك وإلاّ الدولة ستبقى رخوة وهشّة وحينها نبقى إزاء الغموض والمجهول.

ورجل الأعمال في ظلّ مناخ يكتنفه الغموض بشأن الحاضر والمستقبل قد يضطر إلى الاستثمار في الخارج وليس في بلاده بحكم غياب الاستقرار وامكانية التراجع في كلّ وقت وحين عن قرار معيّن.

لابدّ من تطبيق القانون الذي هو من جملة مزايا الديمقراطية. الدولة يجب أن تعمل بعقلية مؤسسة لفائدة المصلحة الوطنية وليس لمصلحات اشخاص أو فئات كما كان نظام بن علي.

وفي حال ما عدنا إلى منطق أجهزة الدولة التي تخدم مصالح الاشخاص وقتها يجوز القول على الديمقراطية السلام. وقد تحكمنا المافيا والعصابات التي كبّلت إيطاليا لسنوات.

الان لابّد من اتخاذ قرارات جريئة واعلان التوجهات التي من المهم السير فيها من خلال تطبيق القانون و توضيح الرؤية.

حاوره : محمد اليوسفي / حقائق أون لاين ( الجزء الأول )

قد يعجبك ايضا