تأسيس صفاقس في التراث الشعبي
هي قصة معروفة ومتداولة ومحفوظة في الذاكرة الشعبية لسكان مدينة صفاقس. هي قصة الأمير الأغلبي بوكريشة التي أفضت إلى اختيار موقع مدينة صفاقس. فيروى أن السلطان الأغلبي “بن يغلب” قد رأى كابوسا في منامه أذعره ودعاه للسفر والتنقل بين البلدان فخرج متخفيا من القيروان على حصانه وأثناء الطريق مر بواد فغرق فيه حصانه وغرقت أمتعته وضاعت أمواله ولم يقدر على إخراجها فأكمل سيره راجلا حتى وصل مدينة طينة التي دخلها وهو في حالة يرثى لها. فأخذ يبحث عن قوته فوقف أمام دكان فطائري ” سنفاج ” من أبناء السيالة فتأثر لحاله وأطعمه حتى شبع وعرض عليه العمل معه وصار موقد النار ” يحمش التنور “.
كتم السلطان سرّه ولم يعلن عن هويته الحقيقية وسمى نفسه ” بوكريشة “. بعد مدة حدث أن طلق أحد الأغنياء زوجته بالثلاث ولزم أن تتزوج من غيره ثم تطلق لتحل له دون أن ينتشر الخبر في المدينة وهذا النوع من العمل يسمى “التيّاس” أو المحلل ولم يجدوا أحسن من بوكريشة ليقوم بهذا العمل لأنه غريب عن المدينة ونفذت العملية ودخل على عروسه فحصل بينهما إعجاب وتآلف وتحابب فرفضت العروس الرجوع إلى زوجها الأول فغضبت عائلة الزوج وأطردتها فعاشت مع بوكريشة وأنجبت منه ثلاثة أبناء.
أراد أخ الزوجة أن يقوم بختان أبناء أخته لأن إمكانات زوجها بوكريشة محدودة لا تسمح له القيام بمتطلبات الحفل فتمت دعوتها وعائلتها لمنزل العائلة والتأم الشمل.
نشّط الحفل طبال و زكار و ورّاش. طاف الورّاش على الحاضرين حتى وصل إلى بوكريشة فإذا به يعلن على لسانه أنه سيخصص للابن الأول مدخول إفريقية سنة كاملة وللثاني مدخول الساحل وللثالث مدخول الجريد وأمر بكتابة ذلك.
ضحك الناس وسخر منه الوراش وضربه بكفه على رأسه. فقال بوكريشة آمرا في غضب: اكتبوا أن اليد التي ضربتني تقطع للكتف وتحرث طينة بالمحراث. وخرج غاضبا وترك زوجته وأبناءه عند عرفه السّيالة وهجر طينة متوجها إلى القيروان فمر بربوة على ساحل البحر شمال طينة بها أعشاش وأكواخ يسكنها أبناؤها الأصليون (و منها تسمية آل العش) فرحوا به وأعدوا له مرقة صبارس ومكث عندهم حتى استرجع قواه ووعدهم بمجازاتهم.
عاد إلى القيروان ثم رجع إلى طينة في موكب مهيب وأمر بإعادة الحفل وأوفى بوعده لأبنائه ومنح لعرفه السيالة أرضا شاسعة ” من الصّمارة إلى الصّنارة إلى الطلح والدوّارة ووين إيزحّم حصينو في الماء” ثم حرث طينة وندب أهلها حظهم في مكان يعرف اليوم ب” مندرة الصبايا ” وهي أرض لا ينبت فيها شيء. ثم توجه إلى الربوة وأمر ببناء المدينة الجديدة وقد أحاطها بسور عظيم إنها مدينة صفاقس.