في الستينات الاصطياف في بحر سيدي منصور لمة شعبية
نقصد ببحر سيدي منصور الشريط الساحلي الشمالي لصفاقس الممتد من الحي البحري إلى ما بعد الولي الصالح سيدي منصور… كان مقصد السواد الأعظم من الصفاقسية وهل لنا البديل؟
ما كنا نسمع بشاطئ الشفار مطلقا أو نقول كان الشفار القديم مزارا لصفوة الناس ممن تسمح لهم امكانياتهم من التحول إليه أو البناء في قريته. كان عامة الناس يقصدون بحرهم الشعبي للاصطياف مدة لا تقل عن الأسبوع نظرا لصعوبة التنقل وعنائه وما يتطلبه من جهد ووقت ومن كراء لشاحنة أو عربة مجرورة ” كريطة ” تنقل العائلة وما يتبعها من ” قواطن ” أو ” برارك ” بالمادري أو الاستنجاد بالكريطة المنتصبة على عجلتيها وعلى ساريتها الأمامية وهي عبارة عن خشبة مشدودة إليها من الأسفل…وتفرش تحتها الأبسطة و” الكليم ” القماشي أما البغال فهي مشدودة بقربها منشغلة في تناول طعامها من القرط أو نحوه وحتى الحيوانات الأليفة ترافق العائلة للحراسة والاصطياف أيضا…
الازدحام على أشده … الكل ينعم بالسباحة والاستجمام: عباد الله والحيوانات معا في جو ولمة شعبية… ولا ترى إلا فسيفساء من الألوان داخل البحر الهادئ الراكد وكأنه يغط في نوم عميق… أما شاطئه فهو صلب …قليل الأتربة … يوشحه الضريع الأخضر على امتداد البصر… تعود النسوة قبل الرجال إلى مآويهن لإعداد وجبات الطعام وهي الوجبات المعتادة: مرقة أو كسكسي بالدوارة أو كرشة أو هرقمة أو نحوها ونقصد الوجبات الصفاقسية التقليدية … يمر الأسبوع سريعا في جو شعبي لا يتكرر حيث يتم التعارف بين العائلات … وربما الخطبة … الجو منعش فلا خوف ولا اضطراب… الكل ينعم بمصيف رائق على شاطئ لا ككل الشواطئ تأثيثا ولا تهيئة ولا تنظيما ثم يعود الجميع إلى ديارهم بنفس الطريقة بأثاثهم وأدباشهم بعد تفكيك ما نصبوه من برارك وقواطن…
والمتأكد أن تلك الأيام لن تتكرر تبقى عالقة في الذاكرة لا تمحوها السنون…
محمد العش