عيشنا الماضي السعيد
كم يطيب لي الحديث عن عهودنا السابقة وتذكرها ليطلع عليها جيلنا الحاضر للاستفادة والوعي بما كنا عليه من بساطة العيش في شتى شؤون حياتنا فلا تعقيدات فيها ولا تعجيز رغم ما تعترضنا من صعوبات متعلقة بتوفير مستوى عيش متوسط لا غير المهم أننا نحيى في كنف اسر متماسكة ومتعاونة يغمرها الحب والتفاهم يرعاها آباء محنكون عارفون بأسرار الحياة ومتطلباتها وواعون بواجباتهم في توفير الغذاء والتربية السليمة لأبنائهم أما الامهات فحدث ولا حرج : صابرات عفيفات مضحيات قانعات مكدات مجدات يتحملن ضنك الحياة وضروفها بجلد ديدنهن توفير متطلبات الحياة الاساسية للعائلة ولأبنائهن من اجل النجاح في الدراسة ثم النجاح في الحياة …
عندما ارى مستوى العيش الذي نحن عليه اليوم مقارنة بحياة صبانا في اواخر الخمسينات وبداية الستينات البون شاسع لا يقاس ولا يقارن فبفضل صبرنا وجديتنا تعلمنا وتخرجنا وتوظفنا وحققنا ما كنا نصبو إليه وبنينا وطننا الذي أحببناه حبا عميقا بلا حسابات … هناك صورة لا تكاد تفارقني وانا صغير في تعليمي الابتدائي وكذلك أخوتي كنا نجتمع شتاء في بيت واحدة حتى نشعر بالدفء: الأم تشعل الكانون لنتدفأ به وتطبخ الشاي للوالد المستلقي على ظهره في ركن في عمق البيت ونحن الاخوة متحلقون حول مائدة من اللوح مستديرة الشكل كل واحد منا يحترم المساحة المخصصة له دون مشاكل تذكر …
الهدوء يخيم على الغرفة لأن الوالد منغمس في الاستماع إلى المذياع الكبير الحجم الاصفر اللون وهو الوسيلة الوحيدة التي نستطيع من خلاله التعرف على ما يدور في العالم الخارجي عن محيطنا الضيق …الوالدة منغمسة في خياطة وترقيع ما اصاب ثيابنا من فتوق أو نحوها… وعندما ننهي واجباتنا الدراسية تغطينا الوالدة بالبطانية في نفس المكان وننام على الجراية الكرينو نوما هادئا عميقا … يقشعر بدني وانا أستذكر حياتنا الأولى فهي ملاذي عندما أقلق أو اضجر من حياتنا اليوم التي فقدت إنسانيتها وجاذبيتها فأصبحت بدون طعم ولا رائحة…
بقلم محمد العش