صفاقس : الظاهرة تتفاقم .. التسول بين الاحتراف والاحتياج
تجوع الحرة ولا تأكل بثديها ويبقى الحرمان والمجاعة وغياب السند العائلي والفقر المدقع والإعاقة صفات نشاهدها يوميا ونحن في اتجاه العمل أو في السيارة وعلى حافة الطريق.
تلك هي السمات التي نشاهدها على وجوه بعض مواطني بلدنا الذين يمدون أياديهم للتسول لتحصيل لقمة العيش لسد رمقهم وجوعهم فبغض النظر على أن البعض قد يتخذ من التسول مهنة له باستئجاره أطفالا يافعين ليكسب بهم مالا عن طريق الاضطهاد وما ينجر عنه تدمير فئة عمرية بأكملها ولكن بالرغم من ذلك فلا يمكن حجب الشمس بالغربال ولا يمكن حجب الحقيقة بالكلام الذي لا يسمن ولا يغني من جوع ففي بلادنا كما في بقية بلدان العالم يوجد التسول والفقر والاحتياج ولكن بدرجات متفاوتة.
ففي تونس وطن الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية- تجوع فيه الحرة ويجوع فيه الرضيع والشاب والفقير ويشتكي فيه الغني أيضا.
ولتسليط الضوء أكثر تجولنا في قلب مدينة صفاقس أين يتزايد ويتكاثر المتسولون ويتواجدون بالمئات على اختلاف شرائح عمرهم فتقريبا وفي كل مائة متر يعترضك متسول وهو باسط يديه وجسده أمام المارة.
كلهم يحملون إعاقات بدنية وعقلية هذا رجله مبتورة وذاك ضرير وآخر على كرسي متحرك على غرار عادل الذي أمكننا الحديث معه ورغم التلعثم وصعوبة النطق الا أنه استطاع أن يقول لنا بأنه عاجز ومريض ولا يستطيع الحركة وبالتالي لا يقدر على العمل ليسد جوعه مضيفا أنه يقتات من التسول قاطعا الدردشة معنا ببعض الدعاء لله ليرزقه المال وليزيل عنه المرض والحزن يا ربي فرج عليّ وارزقني من عندك.
وفي جولتنا أثار انتباهنا مشهد امرأة وهيّ على حافة الطريق ترضع رضيعين اثنين وتمد يدها وتستغيث من الفقر والاحتياج الذي أكل منها ومن رضيعيها حتى شبع وللسائل أن يسأل عن مصير الرضيعين اللذين ولدا ليجدا نفسيهما على حافة الشارع متسولين وبالتالي هذا حرام وإجرام في حق الرضيعين اللذين لا ذنب لهما وأيضا نتساءل عن مصير تلك الأم التي وجدت نفسها خارج بيتها وخارج أسرتها تستغيث من الخصاصة ونسأل عن مصير تلك المواطنة التي ناهز عمرها الثمانين وكل جسدها يرتعش من المرض ومن برودة الطقس وهيّ في انتظار من يحن عليها ببعض الدراهم.
وللشباب مبرراته
ما شد انتابهنا في جولتنا وجود العديد من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين العشرين والخامسة والعشرين وهم يمدون أيديهم للتسول فأينما تولي وجهك فثمة الفقر والخصاصة والاحتياج يحلق في أرجاء هذه المدينة وبحديثنا أيضا مع بعض الشباب المتسول قالوا أنهم سئموا هذه الدنيا وأن الموت أهون عليهم من العيش في وسط الفقر والحرمان والبطالة مشيرين أنهم من ولايات داخلية قدموا للمدينة بحثا عن العمل ولكنهم وجدوا أنفسهم أخر المطاف يتسولون وينامون في الشارع ولا يقدرون حتى على شراء رغيف من الخبز.
عندما يصبح التسول حرفة
التسول لم يعد عنوانا للاحتياج بل انقلب الى حرفة تمتهن باحتراف وتصبح عملا قارا للعديد من الأشخاص الذين يتعمدون استعمال بطاقات اعاقة مزورة ويقومون بايهام المواطنين بأنهم يشتكون من أمراض عصية وأنهم من ذوي الاحتياجات الخصوصية والأمرّ من ذلك أنهم يزجون بأطفال لا يناهز سنهم السابعة في هذه اللعبة ويحملونهم على الطواف بشوارع صفاقس لتحصيل مبالغ تذهب في المساء الى أصحاب شركات التسول حيث عاينا في جولتنا أحد المتسولين وهو ينزوي خلف سور صفاقس ليقوم بعد العشرات من الأوراق المالية التي قام بحصدها أخر المساء عبر التحيل والغش والزور.
فمتى سيقع النظر في هذه الحالات الاجتماعية التي تتطلب تدخلا فوريا وعاجلا من سلطات الاشراف ومتى سيقع ايقاف نزيف المتسولين المحتالين؟
علي البهلول / الصباح