مدينة سان مالو: النسخة الفرنسية لمدينة صفاقس

صفاقس و سان مالو
صفاقس و سان مالو

لمدينة صفاقس عديد الخصائص العمرانية و البشرية و الجغرافية تميزها عن بقية المدن التونسية. حتى نمط العيش الصفاقسي و العادات و التقاليد لا يشبه أيا من المناطق الأخرى لعدة عوامل تاريخية  وظروف مناخية و جغرافية و مؤثرات بشرية ساهمت في صقل هذا التخصص الصفاقسي. وعن طريق الصدفة وأثناء مطالعتي لإحدى مجلات التاريخ وجدت تشابها كبيرا بين مدينة فرنسية هي سان مالو و مدينة صفاقس ليصل التشابه إلى نمط العيش و العمران و التاريخ وكأن التخصص الصفاقسي يرادفه تخصص مشابه في مناطق أخرى من العالم إذا تشابهت العوامل المؤثرة. ومن عناصر التشابه بين المدينتين:

  • الموقع الجغرافي:

صفاقس مدينة ساحلية على البحر المتوسط منذ تأسيسها و لم يبتعد عنها البحر سوى أواخر القرن 19 عن طريق ردم الجهة الشرقية لحساب الميناء. إلا أن بحر صفاقس عامل طبيعي فريد يتميز بقصره و أهمية المد و الجزر فيه فيه ويعتبر أهم مد وجزر في المتوسط.  وصف التيجاني هذا البحر إذ قال: ومرساها مرسى حسن ميت الماء والماء يمد به ويجزر عند كل يوم فإذا جزر استوت المراكب على الحماة وإذا مد عامت. ومن خاصية هذا البحر هو الدور الدفاعي الذي يحمي المدينة من هجمات السفن المعادية. مدينة سان مالو مدينة ساحلية بشمال فرنسا على المحيط الأطلسي و يمتاز بحرها كذلك بأهمية المد و الجزر فيه ويعتبر أهم مد وجزر في أوروبا.

البحر في صفاقس و سان مالو
البحر في صفاقس و سان مالو
  • التأسيس:

صفاقس مدينة ضاربة في القدم أسسها البربر ثم بمجيء القرطاجيين و الرومان أصبحت مدينة هامة كانت تسمى تبرورة وبعد مجيء العرب أسس الأغالبة سور صفاقس سنة 849م.

سان مالو كانت في الأصل مدينة ألات أسسها الغاليون و ضمها الرومان إلى دولتهم، ثم بخروج الرومان انتقلت المدينة إلى مكان مجار هي موقع سان كالو الحالي سنة 541م.

المدينة العتيقة بصفاقس و سان مالو
المدينة العتيقة بصفاقس و سان مالو
  • المدينة العتيقة:

المدينة العتيقة بصفاقس لها شكل مستطيل 600*400 م لها سور بطول 2 كم بني في القرن 9م. للسور عدة أبراج دفاعية و للمراقبة يصل أعلاها 17م. مساحة المدينة 24 هك ويصل العدد الأقصى للسكان داخل السور إلى 16000 نسمة. كان للمدينة بابان هما باب الجبلي و باب بحر و منذ أواخر القرن 19 تم فتح بقية الأبواب ليصل عددها الآن 12 بابا.

المدينة القديمة بسان مالو لها شكل شبه منحرف بسور طوله 2 كم بني في القرن 12م. للسور عدة أبراج دفاعية و للمراقبة يصل أعلاها 23م. للمدينة نفس مساحة مدينة صفاقس ويصل العدد الأقصى للسكان داخل السور إلى 17000 نسمة. كان للمدينة بابان هما باب سان توماس و باب بحر و منذ القرن 18 تم فتح بقية الأبواب ليصل عددها الآن 11 بابا.

سور صفاقس و سان مالو
سور صفاقس و سان مالو
  • توسع المدينة:

كان الصفاقسية لغاية القرن 18 يسكنون داخل المدينة العتيقة و بازدحامها انتشرت الأحياء خارج المدينة لتتسع المدينة خارج السور ليبلغ عدد سكان صفاقس الكبرى 500000 نسمة. نفس التطور شهدته مدينة سان مالو، إذ بدأ السكان بالخروج من المدينة العتيقة منذ القرن 18. أما الآن يبلغ عدد سكان سان مالو بضواحيها حوالي 50000 نسمة.

ضواحي صفاقس و سان مالو
ضواحي صفاقس و سان مالو
  • السكن في الضواحي:

يتميز سكان صفاقس ببناء أبراج سكن خارج المدينة العتيقة منذ القرن 18. هذه الأبراج كانت محاطة بالبساتين يتعاطى فيها الصفاقسي النشاط الفلاحي و كانت عبارة عن مسكن صيفي أو للراحة. ثم استقر الصفاقسيون بهذه البساتين نهائيا.

في سان مالو نجد نفس العقلية إذ شرع سكانها في بناء مساكن منفردة في ضواحي المدينة منذ القرن 18 محاطة كذلك بالبساتين و الحقول كانت عبارة عن منازل للراحة و الاستجمام وللنشاط الفلاحي. تسمى هذه المساكن “مالوينية ” نسبة لسان مالو وهي خاصية فريدة في فرنسا و لم يبق منها الآن سوى 122 مالوينية.

السكن في ضواحي صفاقس و سان مالو
السكن في ضواحي صفاقس و سان مالو
  • الصيد البحري:

كانت صفاقس منذ نشأتها على علاقة وثيقة بالبحر وبالصيد البحري وميناؤها هو من أكبر الموانئ إنتاجا للسمك في تونس.

سان مالو كذلك اقتصادها قائم على الصيد البحري و هو ثاني موانئ مقاطعة بروطانيا.

ميناء صفاقس و سان مالو
ميناء صفاقس و سان مالو
  • نشاط القرصنة:

ازدهر نشاط القرصنة في صفاقس منذ قدوم الأتراك أي من القرن 16 و ازداد في القرن 17 حيث كان هذا النشاط يعتبر جهادا بحريا خاصة على السواحل و السفن المالطية و الايطالية وردا على نشاط القرصنة تعرضت صفاقس لعديد الهجمات التأديبية من البحر خاصة من السفن الحربية المالطية و من البندقية كان آخرها في بداية القرن 19.

اشتهرت سان مالو في العالم بسبب نشاط القرصنة البحرية وكان هذا النشاط يدر بالكنوز على المدينة وسكانها وكانت الدولة الفرنسية تشجع على ذلك. وكان هذا النشاط مركزا خاصة على السفن الانكليزية. لذلك تعرضت المدينة كذلك لعديد الهجمات البحرية من إنكلترا.

نشاط القرصنة في صفاقس و سان مالو
نشاط القرصنة في صفاقس و سان مالو
  • الحرب العالمية الثانية:

كانت صفاقس و سان مالو مسرحين للحرب العالمية الثانية إذ تم احتلالهما من قبل الألمان ثم استرجاعهما من قبل قوات التحالف بعد قصف عنيف للمدينتين.

دمار الحرب في صفاقس و سان مالو
دمار الحرب في صفاقس و سان مالو

كل هذه الخصائص المتشابهة وربما غيرها تستحق التدقيق و الدراسة ولا يخفي ذلك اختلافا بديهيا في الشكل باختلاف الحضارات و  الاديان و الجناس. ويدل ذلك أن المدن تتشابه من حيث الخصائص حتى إن كانت خصائص فريدة لو توفرت جملة من العوامل المؤثرة التي تصنع شخصية الإنسان ونمط عيشه مهما اختلفت الأصقاع. ولم لا يفتح هذا البحث و غيره آفاق توأمة حقيقية و تعاون بين مدينة صفاقس و سان مالو.

د. وليد العش. موقع تاريخ صفاقس

قد يعجبك ايضا