لماذا أهملنا الأرياف ؟ بقلم حاتم الكسيبي
حادث صادم ترك التونسي في حيرة و الدولة في بهتة قد تستفيق منها بعد حين. رأس في الثلاجة و أم مولولة موجوعة متجاوران طوال الليل الى ضحى الغد دون نجدة ولا تعازي ولا مساعدة. هذه تونس بعيدا عن الثورة والثورة المضادة و الترويكا و الجبهة و شقوق النداء. هذه أرياف تونس بعيدا عن الديمقراطية و الاسلام السياسي والعلمانية و الحنين الى المخلوع و جمعية شمس و عزل الأئمة و تحليل الخمر والزنا عند الطالبي و التجسيد و الردة عند الأحباش وغيرها من ترهات الواقع المزري و الاعلام الضائع المضيع.
كشفت حادثة المغيلة عورتنا أمام الجميع رغم أن الثورة قامت لسترها وكشفت هذه الحادثة كذب وزيف دعوات التطبيل والعويل لعودة الماضي بعد أن هيُّأ لهم أنّ تونس كانت في أرغد العيش. عديدة هي صور الألم في بلدي لا نراها الا ساعة الكارثة فهذا برد قارس كشف سوءة الشمال الغربي و هذا ارهاب مجرم عرّى الحقائق وبيّن أن الانتماء للوطن لا يعني الكثير لعدد من المتشدقين بمعسول الكلام. أخطاء متعددة ارتكبتها الحكومة وأجهزة الدولة المحلية و الجهوية والمركزية لثقافة عدم الاكتراث التي لم تغادرنا منذ عهد البايات و ها نحن لا زلنا عليها ربما الى قيام الساعة مادام أهل السياسة والنخبة منشغلون بتصفية حساباتهم المصلحية والنفعية. تونس العمق تعاني الأمرين، تعاني شظف العيش و ضيق الأفق و حديثا الارهاب. هذا الذي قتل أبناءنا و جنودنا و لكنه كشف في لحظة أننا بعيدون لسنوات ضوئية عن قيم المواطنة و الشعور الوطني.
عديدون من ولولوا بكلنا فرنسا وان كنا نتألم لما أصابها ولكن هل نبكي وفاة الجار القاصي ونلازم جثته و الحال أن فتانا مضرج في دمائه مفصول الرأس عن الجثة و ينتظر العزاء والدفن. يبدو أن عشرات السنين تحت لواء العلم المفدى و الدولة المستقلة لم تكفينا لنتعلم و نفقه عزة الوطن وحبه بكامل ترابه وسمائه و سكانه و هضابه و سباخه فننشد نموت نموت ويحى الوطن بكامل الثقة والثبات، حينها ستتملكنا قشعريرة الهيام بالوطن و خشوع الساجد لمن صيره حرما آمنا لنا يحفظنا ونحفظه. أهل السياسة اشعروا بألم ريفنا وحضرنا و استعدوا لما قد يصيبنا في مستقبل لم يلح أفقه وظلت سماؤه ملبدة بالغيوم الدكناء، فان لم تقدروا على ذلك فلا تشغلونا بنزاعاتكم الفارغة واضراباتكم العشوائية و اجتماعاتكم التي لا تنتهي فلا ننقسم و نظل وحدة مجتمعة تنتظر ساعة الفرج.
حاتم الكسيبي