إلى أي جحيم آخر نحن ذاهبون ؟ : بقلم الدكتور محمد ناصر بن عرب
لقد تخلّصنا من نظام عاث في الدنيا فسادا. ألجم لسان الشعب و انتهك كلّ الحرّيات و اغتصب حقوق الشعب و ساعد في انتشار الرشوة و دمّر هويّتنا و ساهم في انحدار التربية و التعليم فتراجعت الأخلاق و الكفاءات غير أنّ الشعب انتفض و ثار لاسترجاع حقوقه و اكتساب الحرّية و العدالة. و مهما كان الأمر فنستطيع أن نقول أنّ شعبنا اليوم قد تمكّن من إرساء أركان الحرّية و الديمقراطيّة و انتخبنا نوابا في المجلس التأسيسي و رئيس الجمهوريّة بكلّ شفافيّة. و كنّا نظنّ أنّ ما حلّ بإخواننا في العالم العربي من مآسي و إجرام و خراب و فتنة و تشتيت و تفرقة و مجاعة لا يمكن أن يحصل في بلادنا لكنّنا فوجئنا يوم الأربعاء 18 آذار/مارس 2015 ب.م بهجوم قاتل شنيع لم نقرأ له حسابا حصد ضيوفا جاءت في زيارة لبلادنا لتشاهد ثقافاتنا و حضاراتنا بمتحف باردو. و للأسف الشديد ارتكب هذه الجريمة النكراء تونسيّون مثلنا بلغهم التطرّف و الجهل للقتل العشوائي كنّا قد غضّينا الطرف عن سلوكهم و خطابهم و لم نكن يقظين أشدّ اليقظة لشرّهم و تركناهم يخطّطون لتدمير بلادنا و زرع الرعب و العار في شعبنا باسم إسلام لم نعرفه من قبل يأمر بالمنكر و ينهي عن المحبّة و التآزر. فنحن نتساءل عن هذا الصنف من اسلامهم و نستغرب من صمت علماء الدين على سلوك مواطنين تنادي بفرض رأيهم كأنّ الاسلام ولد من جديد ! و نستغرب أيضا من عدم تدخّل الدولة لصدّ حركة متطرّفة لا تؤمن بالمواطنة و لا تنظر للتقدّم من زاوية العلم و المعرفة إنّما هؤلاء يريدون العيش كما كان يعيش الناس في ماض بعيد ، عيش ليس له صلة بالحاضر ، يخلو من التسامح و الأخوة و التضامن و الرقي إلى ما هو أفضل للناس أجمعين. نحن شعب لنا ذاكرة فكريّة ثقافيّة عربيّة اسلاميّة تسمّى جامع الزيتونة الأعظم الذي أنجب أجيالا من العلماء و المصلحين ساهمت في العمل لصالح الأمّة الاسلاميّة ، علّمنا اسلاما لم يزرع فينا التفرقة والكراهيّة لبعضنا البعض إنّما كان اسلام يقاوم الجهل و الظلم و القهر و الاجرام و الاستغلال . فنحن نريد إسلاما يأمر بالمعروف و ينهي عن المنكر ، يأمر بالصدق و ينهي عن الكذب ، يأمر بالوفاء و ينهي عن الخيانة ،يأمر بالعلم و المعرفة و ينهي عن التعصّب و الجهل و التخلّف.
نحن نريد أن نفهم الشريعة الاسلامية كما يقول أبو يعرب المرزوقي” بمعنى الطريقة الأخلاقيّة التي سنّها الاسلام للتعدّدية و الحريّة الدينيّة التي ذكرها الله في آيات كثيرة. أمّا الأحكام التي وردت في كتب الفقه القديمة و التي ارتبطت بعصر غير عصرنا فهذه الأحكام قد تكون برّرتها طبيعة عصرها لكنّها ليست ملزمة لمسلمي هذا العصر و لا تعدو أن تكون اجتهادات قديمة نقضتها اجتهادات أخرى اليوم”.
إنّ الاعتداء على متحف باردو و قتل السيّاح الأجانب في أرجائه جريمة لا تغتفر من طرف شرذمة لها صلة بأياد خفيّة بعيدة أو قريبة هدفها إسقاط شعب بدأ يسير في سبيل الحريّة و الكرامة. لقد اعتدى هؤلاء المجرمون على رمز من رموز أعلامنا الثقافيّة و أسالوا دماء ضيوفنا و أيتموا أهلهم ، هؤلاء الضيوف الذين يساهمون في كسب لقمة العيش لقصت كبير من شعبنا. وعمل مثل هذا ليس له أيّ صلة لا بالإسلام و لا بالإنسانيّة لنا الحقّ أن نطالب الدولة في البحث عن المسئولين الذين قاموا بتخطيطه و محاكمتهم لصدّ عدوانهم عن شعبنا العظيم.