عيد الأضحى في صفاقس : “البازين بالقلاية” من أوكد العادات الغذائية و”القديد” لتفادي تأثير الطوارئ الجوية
“كل بلاد وأرطالها، وكل امرأة وأشغالها”… وقياسا على هذا المثل الشعبي فإن العادات الخاصة بعيد الإضحى ولئن تشابهت داخل الأسر في جهة صفاقس من ذبح الأضحية وما تبعها من مراحل مع أغلب العائلات في ولايات الجمهورية، فان وجبة “البازين بالقلاية” تظل أهم العادات التي تميز أهالي صفاقس في اليوم الأول من عيد الأضحى.
” البازين بالقلاية”، هو عادة غذائية متجذرة في عمق العائلة الصفاقسية منذ القدم، ولا تزال جارية لدى أغلب العائلات حتى أنها أصبحت تصنف ضمن التراث الثقافي الغذائي بالجهة.
وتعمل النسوة على تحضير “البازين” قبل أسبوع من حلول العيد، وذلك عبر استخراج مربى دقيق الفارينة أو السميد الرقيق وتخميره لمدة ليتم طهيه صباح يوم العيد على نار هادئة، ثم يضاف إليه زيت الزيتون والعسل وأكله مع “القلاية”، وهي خليط من قطع اللحم والكبد والكلى والشحم التي يقع الظفر بها مباشرة بعد ذبح الأضحية ليتم غليها في الماء الساخن مع شيء من الملح وتقليتها إثر ذلك في الزيت.
من جهة أخرى، وتفاديا لضيق الوقت، وحفاظا على الأضحية برمتها، عادة ما تضطر الكثير من العائلات إلى شراء مكونات طبق ” القلاية” من اللحم البقري، وذلك قبل أيام من قدوم العيد.
ولكن أكلة “البازين بالقلاية”، هذا التقليد الغذائي العريق لدى الأسر الصفاقسية، بدأت ملامحه تحيد عن شاكلته الأصلية التي لا تجيده إلا النسوة من الجيل القديم، حيث أصبحت أغلب العائلات، سيما الفتيات حديثات الزواج، يجدن ضالتهن لدى الأم أو الحماة لتذوق هذه الوجبة التقليدية، أو التوجه للمساحات التجارية الكبرى لاقتناء وجبة “البازين والقلاية” معلبة، ما يجعل هذه العادة الغذائية مهددة بالاندثار.
وبعد أكل وجبة “البازين بالقلاية” يتجمع أفراد العائلة حول الموقد أو “المجمر”، ويأكلون الشواء مع أكواب الشاي الأخضر أو المشروبات الغازية أو عصير الغلال لضمان سرعة الهضم، ثم تلتف بعد ذلك النسوة لتفريغ وغسل كرشة الخروف أو ما يعرف ب “الدوارة” تمهيدا لحشوها بالخضر وقطع من اللحم والكبد والكلى والشحم ليتم طهيها في العشاء أو في ثاني أيام العيد. غير أن العادة جرت على مسارعة جل العائلات بطهي قطع رقبة الخروف لكثرة الدماء بها حفاظا عليها من التلف.
ومن عادات الأسر الصفاقسية في عيد الأضحى أيضا حرصها الشديد على إعداد “القديد”، وهو قطع من لحم خروف الأضحية أو من اللحم البقري الذي يقع اقتناؤه قبل العيد، يتم غمسه في خلطة من التوابل، ثم نشره في الشمس لمدة كافية، وتفقده كل يوم، وكلما طال وقت نشره في الشمس كلما زادت لذٌة طعمه. وبهذه الطريقة كانت عديد العائلات الصفاقسية ولا زالت، سيما منها القاطنة بعيدا عن وسط المدينة، تحتفظ بحاوية القديد أو ما يسمى لديهم ب”زير الدهان” لمدة طويلة بل لسنة كاملة، وذلك تفاديا لطوارئ العوامل الجوية التي يصعب عليهم معها التنقل إلى وسط المدينة واقتناء مؤونتهم.
للإشارة فإنه على غرار جميع العائلات بالجمهورية، تبدأ الاستعدادات لعيد الأضحى في جهة صفاقس قبل أسبوع من حلوله، وذلك بتجهيز المنزل، وهو ما يسمى عند الصفاقسية بـ”قيمان الدار”، وهو غسيل ونفض وترتيب أثاث البيت بالكامل وشراء التوابل من الأسواق الشعبية وتجهيزها ليتبل بها لحم الضحية ثم شراء السكاكين والسواطير أو تسنين السكاكين القديمة لتقطيع اللحم وشراء الفحم والمجمرة أي الكانون لشواء اللحم.
هادية بوصرصار / مكتب وات في صفاقس
سبتمبر 2015