رسالة معلم لأبنائه التلاميذ: المعذرة أبنائي
المعذرة أبنائي… امتهنت مهنة التعليم لأني أحببتها …وقدمت فيها كل جهدي وطاقتي لإفادة أبنائي… وقد نهل من حصصي عديد التلاميذ يعدون بالمئات …كنت لا أبخل عليهم بالنصح في الاجتهاد والمثابرة والكد وأبالغ في ذلك وأحرص …وكلي ثقة لأن إيماني كبير بأن طلب العلم يحقق ما يصبو إليه المرء من مهنة شريفة وعيش كريم ومقام رفيع لا يطالها إلا من نهل من العلم الكثير وتحصل على أرفع الشهائد… وما كان يدور بخلدي يوما أن أعيش وأرى والحسرة تمزقني أن أصحاب الشهائد ممن نهلوا من العلم وتعبوا… وضحوا… وعملوا بنصائح معلميهم… وأرضوا أولياءهم يكتوون بنار البطالة وقسوتها وفقدوا كل بصيص من أمل الدخول معترك الحياة الكريمة وبناء مستقبل باسم وتأسيس أسرة كريمة شريفة…
المعذرة أبنائي… أنا نادم متحسر لأني أتعبتكم وأتعبت نفسي فذهبت أتعابنا سدى…أتعبتكم وأتعبت نفسي وفي الأخير أرى بعضكم… حتى ولو كان نزرا قليلا منكم يلازمون المقاهي ويقبعون في البيوت وقد انغلقت الآفاق أمامهم… أتألم وأتحسر…أكتوي بنار الفشل الذي يكويكم …أتحسر وأتحسر ومع حسراتي تزداد نقمتي على بلد يهان فيه صاحب العلم والمعرفة …بلد لم يجد حلولا بتوفير مواطن شغل لأبنائه الذي أنفق عليهم المال الكثير من أجل تكوينهم وتخريجهم … وماذا ربحنا أنا وإياكم ذلك من ذلك ؟
أنا مصاب بمرض مزمن ينهش جسدي …وأعصابي احترقت …وأنتم تعانون البطالة وكلانا الخاسر والذي يخفف من ألمي فوز بعضكم بالتوظيف أو بامتهان مهنة حرة … ماذا أقول يوم أن حذرتكم من التكاسل مثل فلان وعلان …واليوم فلان أجرته اليومية 50 د لأنه بناء وعلان صمكري أجرة نصف ساعة من العمل ب40 د ويعمل وفق أجندة لضبط المواعيد … أما المهندس فلان يعمل فراشا في نزل وأستاذ الفلسفة “قرسونا” في مقهى …تقولون لي العمل شرف …ولكن هل الدراسة والتفوق فيها والنجاح موصلة إلى هذه المهن؟… أخجل من نفسي اليوم لما يسود الاعتقاد وفي كل الأوساط أن من انقطع عن الدراسة صغيرا أو شابا يعتبر محظوظا وأن الله أنعم عليه عندما تعلم حرفة …
وفي الأخير أقول :حان الوقت لتغيير السياسة التربوية لأنها أفلست وتهرأت …وأعيدوا إلينا التعليم المهني بفكر متطور وبرنامج حديث …ولعلمكم أن ألمانيا 70 في المائة من كلياتها تفضي إلى تعليم المهن باختلاف درجاتها ومستوياتها وأنواعها…
محمد العش 27/5/2015