ترميم الكنيسة المسيحية الأرثودكسية اليونانية بصفاقس
لمّا انهار سقف الكنيسة في أواخر سنة 2012 ب.م كتبت مقالا في هذا الشأن و طلبت من السلطات المعنيّة بالأمر ترميم المعلم لأنّه جزء لا يتجزّأ من تراثنا ، كان مصلّى اليونانيين الذين أقاموا و استوطنوا بمدينة صفاقس من أواخر القرن التاسع عشر ميلادي إلى سنة 1965-1966 ب.م.
لقد كانت الدولة العثمانية تسيطر على ثلاث قارات آسيا ، أوروبا وإفريقيا. و ضمّت من القرن السادس عشر إلى أواخر القرن التاسع عشر ب.م جلّ الدول العربية الحالية ما عدا المغرب الأقصى و كان الأمر كذلك بالنسبة لليونان. فكان باستطاعة كلّ مواطن مستقرّ في الدولة العثمانية أن يتنقل و يقيم في أرجاء الدولة العثمانية بكلّ حرّية كما هو شأن الأوروبيين في دول الإتّحاد الأوروبّي اليوم. و الجالية اليونانيّة التي استقرّت بصفاقس أتتنا من جزيرة كليمنوس بالخصوص ، المشهورة بصيد الإسفنج و الأخطبوط أو القرنيط . فذات يوم دفعت الرياح مراكب الصيّادين انطلاقا من جزيرة كليمنوس إلى سواحل صفاقس حيث اكتشفوا مرعى ثريّا من الإسفنج و القرنيط وسط مساحة بحرية مثلّثة تربط جزر قرقنة بالشابة و جرجيس. و بما أنّ اليونان كان في ذلك العهد ينتمي إلى الدولة العثمانيّة كما هو الشأن بالنسبة لتونس و مصر، قرّر الصيّادون اليونانيّون الإقامة بميناء مدينة صفاقس لصيد القرنيط و الإسفنج بالخصوص. و لمّا تكاثرت الجالية اليونانيّة بصفاقس أرسل مطران إسكندرية بمصر- أين تقيم جالية يونانية عظمى- أسقفا على رأس الأرثودكسيين بمدينة صفاقس و تمّ بناء الكنيسة التي قام بتدشينها مطران إسكندرية سنة 1892 ب.م.
و استطاع اليونانيّون الاندماج في المجتمع التونسي اندماجا رائعا إذ أنّهم أصبحوا يتكلّمون اللغة العربيّة بلهجتها الصفاقسية وأصبحت مدينة صفاقس مصدِّرة الإسفنج الأولى في حوض البحر الأبيض المتوسّط . كما أنّ اليونانيون هم الذين أدخلوا في عادات الصفاقسيين القرنيط المجفّف و السمك المملّح و بالخصوص الباكالاو الذي يتناوله الصفاقسيون في عيد الفطر مع الشرمولة. و العجيب أيضا أنّ اليونانيون هم الذين بادروا في صناعة شراب اللوز المفضّل لدى الصفاقسيين.!!!
و في المدينة العتيقة ما زالت شبابيك الديار الحديديّة تشهد على ما أتى به إلينا اليونانيون المستقرّين بإسكندرية من خبرة في ميدان الحدادة الفنّية إذ أنّهم كانوا باتصال دائم مع الجالية اليونانيّة بصفاقس .
إنّ انطلاق ترميم كنيسة اليونانيين الصفاقسيين خبر مهمّ و مسرّ في آن واحد لأنّه قرار نادر من طرف المسئولين لصيانة تراثنا بصفة عامّة. فالعديد من المعالم و العمارات و المنازل القديمة تشكو من عدم الصيانة سواء كان في المدينة العتيقة أو بالمدينة الحديثة. و بما أنّ أعمال اللجنة الدائمة للثقافة العربيّة التابعة للمنظّمة العربيّة للتربية و الثقافة و العلوم اعتمدت مدينة صفاقس عاصمة للثقافة العربيّة للسنة المقبلة فلنواصل في أعمال حضاريّة مثل هذه التي تحافظ على تراث بلادنا لأنّ الثقافة هي أيضا صيانة تراثنا الزاخر.
بقلم د. محمد الناصر بن عرب / جمعية باب الديوان