كتاب أصدرته جهان مقني بعنوان “دور المؤسسات الصغرى و المتوسطة في تحقيق التنمية المحلية”
مقدمة عامة للكتاب:
إن التغيرات السريعة التي حدثت نهاية القرن العشرين والتطورات المتزايدة التي تعيشها المؤسسة الصناعية في محيطها الاقتصادي لا سيما بعد حدوث الثورة المعلوماتية و التكنولوجية قي بداية الثمانينات، أدت إلى بروز نموذج المؤسسات الصغرى و المتوسطة من جديد و بداية اندثار نموذج المؤسسات الكبرى الذي ساد في الفترة الذهبية و إبان النهضة الصناعية في أوربا . ويمكننا القول أن الاقتصاد العالمي اليوم يعيش خضم مرحلة انتقالية جذرية و عميقة تعتمد على منظومة إنتاج جديدة ومنظومة تسويق جديدة أساسها الابتكار و التجديد التكنولوجي و الرقمي.
إن هذا الواقع الاقتصادي المحلي و الدولي الجديد يبوب المكانة الهامة للمؤسسات الصغرى لما تتميز به من مرونة و دينامكية في التسيير ولما لها من قدرة على التأقلم و التكيف السريع مع مستجدات المحيط الاقتصادي. هذا بالإضافة إلى قدرتها على و مواكبة التغيرات والنسق الجنوني للتكنولوجيات الحديثة. و من هنا تأتي الأهمية البالغة للاستثمار في هذا النوع من المؤسسات و الدور الايجابي الذي يمكن أن تلعبه في تحقيق التنمية المحلية و الجهوية .
لقد استمر الاهتمام بالمنشات الكبيرة حتي بعد فترة الحرب العالمية الثانية و لكن مع حلول عقد السبعينات تحولت النظرة لصالح المنشات الصغرى و بدأت تظهر الكتابات الأكاديمية المؤيدة الداعمة لنشاط هذه المؤسسات مثل الأقطاب التكنولوجية. و من ثم بدأت المؤسسات الحكومية و المنظمات الدولية في إبداء هذه المنشات الصغرى اهتمام كبير لما لها قوة دفع و دعم لاقتصاديات البلدان المتقدمة و تحقيق التوازن الجهوي.
و من أهم الاعتبارات التي دفعت البلدان المتقدمة إلى إعادة الاهتمام بهذه المنشات منذ مطلع التسعينات هي:
-انخفاض معدلات الربحية للمنشات الكبرى بسبب حجمها الذي أصبح عائقا أمام تطورها
-سرعة التطور التكنولوجي الذي أدى بدوره إلى تطور المنظومة اللوجستية و الذي كثف من تقادم الكثير من السلع الاستهلاكية.
-التوسع في استخدام التقنيات الحديثة في عمليات التصميم و التصنيع و سهولة تطبيق هذه النظم في المنشات الصغيرة مما رفع في كفاءاتها الإنتاجية مقارنة بالمصانع التقليدية الكبرى التي يصعب عليها أن تستحدث الأساليب الإنتاجية.
-انتشار طريقة الإنتاج على دفعات أو طلبيات صغيرة نتيجة تطور أذواق المستهلك
إزاء هذه الأوضاع و المستجدات لجأ ت العديد من الشركات الكبيرة إلى مراجعة نمط و سياسة الإنتاج و بادرت بتقسيم المصانع إلى مجموعات إنتاجية شبه مستقلة مع بناء وحدات جديدة و ذلك بغرض النهوض بمستويات الإنتاج من ناحية و من ناحية أخرى، تقليل حجم البيروقراطية و تقليص خطوط الاتصال و تحسين العلاقة بين الإدارة و الموظفين.
وهكذا يمكننا أن نعتبر أن المؤسسات الصغرى المرنة و المتجددة هي القادرة أكثر من غيرها على المنافسة و الديمومة علاوة على تخصصها في قطاعات إنتاجية واعدة ذات قيمة مضافة عالية.
و بالتالي فان إرساء إطار تشريعي قوي لحماية الملكية الفكرية وتوفير الآليات اللازمة لتدعيم هذه المؤسسات مثل تشجيع المخترعين و زرع ثقافة المؤسسة و روح المبادرة لدى الشباب يعتبر أمرا ضروريا.
تشكل المؤسسات الصغرى و المتوسطة البديل الأساسي لتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة نحاول من خلالها تجاوز المعوقات الاجتماعية و البيئية الراهنة ، وذلك نظرا لنجاعة النتائج التي يمكن أن تحققها في معالجة مشكل التفاوت الجهوي و تفاقم البطالة. فهذا النوع من المؤسسات هو القادر على مواجهة التحديات الاقتصادية و تحقيق تنمية محلية تساهم في تدعيم جاذبية كل المناطق الداخلية وتراهن على القدرات البشرية و التكنولوجيات الحديثة في أنشطتها الإنتاجية وذلك تطابقا مع الاختصاصات الجامعية لحاملي الشهائد العليا.