القراء يكتبون : هل المدرسة الجمهورية في خطر ؟
المدرسة الجمهورية مشروع سياسي أكثر منه مشروع بيداغوجي ورهان هذا المشروع منذ قانون 4 نوفمبر 1958 هو دعم ” الأمة ” ودولة الاستقلال ونشر قيم الجمهورية . منذ الاستقلال سعت الدولة إلى توحيد التعليم من أجل نشر ثقافة وطنية موحدة بين الشباب التلمذي ضمانا لوحدة الشعب وتماسك مكوناته ومن أجل بناء وعي وطني والسعي إلى تخريج المواطن الأمثل. من أجل هذه الغاية ارتكزت المدرسة على جملة من القيم والاختيارات الجمهورية من أهمها :
1 ــ انخراط تونس في الحداثة وذلك بتأمين المدرسة لعملية نقل الثقافة الوطنية والكونية والعلوم الدقيقة والتفكير العقلاني ولأجل ذلك تقرر تعميم التعليم باعتباره حقا كونيا وباعتباره السبيل الأوحد إلى تقليص الفوارق الاجتماعية والجهوية وباعتباره الضمانة الوحيدة لوحدة الشعب ، أساس التعليم هو المعارف العلمية لأنها معارف موضوعية تساعد على تجاوز المعتقدات غير العقلانية وتخرج الأطفال من حيز التقليد والفكر الخرافي.وليس القصد من تأسيس التعليم على المعارف العلمية جعل المدرسة ذات توجه علموي وإنما المقصود بذلك تكوين العقول وترشيدها وتسليحها بالفكر النقدي لكي لا تكون فريسة للايديولوجيات السياسية والدينية المتطرفة فتكون المدرسة بهذا المعنى مؤسسة للتحرر والانعتاق وتنمية الذات.
2 ــ المبدأ الجمهوري الثاني الذي ترتكز عليه المدرسة هو الحياد الاجتماعي للمؤسسة التربوية ، فالمدرسة تشتغل وفق قواعد غير شخصية الرابط الوحيد الذي يجمع الأطراف الفاعلة فيها هو الرابط البيداغوجي . البيداغوجيا هي علم تربوي يرمي إلى تنظير العملية التربوية وهي التي تسمح بتحديد ما ينبغي تدريسه وكيف يقع التدريس ، وعندما تصبح البيداغوجيا بهذا المعنى أداة عمل موضوعية فإنها تضمن حيادية المدرسة ، وبهذا تصبح المدرسة عمومية كباقي المؤسسات العمومية وظيفتها تأدية خدمة للمجتمع و ليست وظيفتها تغيير النظام الاجتماعي وظيفتها تأمين الانسجام العام في المجتمع والمحافظة عليه وتحقيق فكرة التقدم فيه لذلك ومن هذه الجهة تحديدا تضع المدرسة نفسها بعيدا عن كل الصراعات الاجتماعية والدينية وبذلك أيضا تكتسب صفتها الرمزية.
3 ــ المبدأ الجمهوري الثالث الذي تستند إليه المدرسة الجمهورية هو الاستحقاقية . فالمدرسة تعتبر نفسها المسؤولة عن انتقاء الأفضل من التلاميذ دون أن تشغل نفسها بالأصول الاجتماعية التي ينحدرون منها . الاستحقاقية مبدأ تسعى من ورائه المدرسة إلى تنمية كل المواهب لكي تتمكن من التعبير عن نفسها من دون أيّ اعتبار للفوارق الاجتماعية.
4 ــ المبدأ الجمهوري الرابع يتمثل في أن المدرسة مدعوة إلى بناء الفرد المستقل . فبواسطة العلم وبالنفاذ إلى الثقافة الكونية تتيح المدرسة الفرصة لتنمية وعي حرّ لا يرتهن للتقاليد ولا لأيّ مجموعة اجتماعية . المدرسة مؤسسة تسمح للطفل ـ عبر نقل الثقافة ـ إلى امتلاك وسائل استبطان المعايير والقيم لكي يصبح ذاتا مستقلة قادرة على التعامل مع الفكر
النقدي
فهل مازالت هذه المدرسة الجمهورية في مأمن اليوم ؟ وهل تمثّل بعض الأنشطة الصيفية المزمع تنظيمها قادما ممّا يدعم المدرسة الجمهورية أم من وسائل تخريبها ؟ وهل الأنشطة الدينية الصيفية مما يروّح على التلميذ ويغيّر من نسق زمنه في التكوين العام أم مما يؤدّي إلى مزيد التشديد عليه والتقييد من حرّيته ؟ أفليست تُنظم الأنشطة الصيفية لإنجاز ما لا يسمح به الزمن المدرسي النظامي ولا تقدر المدرسة على استيعابه ؟ أفليست الأنشطة الصيفية مجالا يدعو التلاميذ أفرادا ومجموعات إلى الإبداع الحرّ وإلى بناء المشاريع وإلى الانفتاح على الفضاءات غير المألوفة وغير هذا كثير ؟ هل المدرسة في طريقها إلى تغيير هويّتها واصطناع رسالة جديدة لا يعرفها إلا بعضهم ممن يزعم امتلاك الحقيقة وحده؟
ابراهيم بن صالح ــ متفقد عام للتربية متقاعد