التقرير النهائي لملتقى صفاقس الدولي الرابع للمالية الإسلامية
تحت إشراف وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وفي إطار سعي جامعة الزيتونة المحمود لاستعادة إشعاعها جهويا وإقليميا وعالميا من خلال تبني رؤية إستراتيجية تعتمد على تعدد التّخصصات على غرار جامعة الأزهر والجامعة الإسلامية بماليزيا.
وتلبية للحاجة الحيوية إلى تجاوز حدود التقليدي في مجال علم الاقتصاد والمال تطويرا لمناهج البحث وغوصا في كيفية صياغة أدوات تمويلية مبتكرة وذات كفاءة اقتصادية تُنَشّط الدورة الاقتصادية وتكون سندا للعملية التنموية بتونس رفعا لتحديات التفاوت والبطالة و الفقر وتحقيقا للتنمية المُستدامة.
رأت جامعة الزيتونة بالتعاون مع معهد البحوث و التدريب بجدة التابع لمجموعة البنك الإسلامي للتنمية أن تُنظم الدورة الرابعة للمالية الإسلامية تحت عنوان “الهندسة المالية الإسلامية بين الضوابط الشرعية والمُستحقات الربحية والمقاصد التنموية”بحثا عن معرفة جديدة تجمع بين مناهج التحليل العلمي ومنظومة القيم والمؤسسات الإسلامية التي أصبحت تحظى باهتمام الدوائر الأكاديمية العالمية وإسهاما واعيا وعلميا في تلبية حاجة المجتمع أكثر من أي وقت مضى إلى اقتصاد مفعم بالقيم الأخلاقية التي تجعل كرامة الإنسان وحريته وتفضيله ورزقه محور العملية الاقتصادية والتنموية عموما وفق المنظور الإسلامي.
1- تطور ملتقى صفاقس الدولي للمالية الإسلامية
بعد أن تم انجاز ملتقى صفاقس الدولي للمالية الإسلامية في دورات ثلاث لفت الانتباه خلالها إلى أهمية المالية الإسلامية تحقيقا للتنمية الجهوية – وتَصَدّيا لتحديات الفقر والبطالة عبر مؤسسة الزكاة وآلية الأوقاف ومؤسسات التمويل الأصغر الإسلامية – وإسهاما في التنمية الاقتصادية عبر الصكوك الاستثمارية وفي التنمية الاجتماعية عبر الصكوك الوقفية.
جاء الملتقى الرابع ليكُون الاهتمام فيه أكثر دِقّة و تخصص وأن يَكُون الجُهد المَبذُول في خبايا الهندسة المالية الإسلامية والنظر إليها من خلال الضوابط الشرعية التي تحتكم لها وذلك بهدف تمكين المؤسسات المالية والاقتصادية من مستحقاتهم الربحية ومختلف الفئات الاجتماعية من المقاصد التنموية متمثلة في تقليص التفاوت عبر أدوات تمويل مبتكرة وفعّالة تمتص نسب البطالة المرتفعة باعتبارها سبب التفاوت الرئيسي فَتُخفِّفَ بذلك نتائجه التي تعكسها حالات الفقر والحرمان وكذلك الإقصاء والتهميش لفئات من مجتمعنا وجهات من وطننا.
ومن الدوافع القوية التي ذُكرت لعقد هذا الملتقى
· حاجة النشاط الاقتصادي التونسي والعملية التنموية لأدوات تمويل مبتكرة وفعالة فِي ظل ِّمحدودية أدوات التمويل المُعتمدة التي أفرزتها الهندسة المالية التقليدية غير المنضبطة لمنظومة قيمية ذات نكهة إنسانية واجتماعية فضلا عن حاجة مؤسساتنا المصرفية للهندسة المالية الإسلامية حتى تكون رافعة لاقتصادنا الوطني ومساندة للعملية التنموية لمجتمعنا.
· تمكين الهندسة المالية ضمن الضوابط الشرعية من حُصول القِران بين العلم والأخلاق الذي عانت البشرية كثيرا من فراقهما والذي تسبب في عدم تحقيق أهداف مُختلف مكونات المجتمع من مستحقات المؤسسات المالية والاقتصادية الربحية والمقاصد التنموية للمجتمع ككل وفي عدم فلاحه سوى في تحقيق أهداف جهة على حساب أخرى لا غير مما عمق الشرخ داخل المجتمع الواحد.
2- مُخرجات ملتقى صفاقس الدولي الرابع للمالية الإسلامية
أكد جميع المتدخلين على أهمية اختيار موضوع الهندسة المالية الإسلامية في هذه المرحلة بالذات خاصة أمام اتساع الهوة بين ما دعت إليه الهندسة المالية من ابتكار سواء على مستوى تصميم أدوات التمويل أو تطويرها وما انتُظر منها من ازدهار وتقدم وبين ما نشأ عنها من أزمات (الأزمة المالية العالمية 2008).
وانطلاقا من أن كل هندسة قائمة على قوانين علمية كان من المفترض أن يكون قد تم اكتشاف القوانين الناظمة للهندسة المالية إلا أن واقع الحال يُخبرنا غياب قوانين علمية صحيحة تقوم عليها هذه الهندسة رغم أنها غنية بالتقنيات والأدوات.
وقد قُدّم عرض في الملتقى اعتُبِرَ فيه أن صيغ التمويل الإسلامي أنظمة مفتوحة وان التمويل الإسلامي يحترم قوانين الحفظ حين يقوم على مبدأ تحريم الربا بحكم مخالفة فكرة الربا لهذا القانون الطبيعي الصحيح وكذلك مبدأ عدم أكل أموال الناس بالباطل ليخلص صاحبها إلى أن التمويل الإسلامي علما بحكم أنه يقوم فيما يقوم على هذا القانون ليستقر هذا الرأي المُبتكر عند القول بان الأسس العلمية والقيم الإصلاحية وجهان لعملة واحدة .
وسيق مثال آخر أخذ فيه كمنطلق مقولة أن قانون حفظ الطاقة يقتضي التناظر عبر الزمن ليصل إلى القول بما أن طرفي عقد التمويل الإسلامي وبروح أن يحب كل طرف فيه لأخيه الطرف الثاني ما يُحب لنفسه فان ذلك يعكس ما يستلزمه حفظ المال من تناظرية.
وفي هذا السياق يمكن القول بان الهندسة المالية الإسلامية هي علم ينسجم مع القوانين الطبيعية التي اكتشفها العلم وبالتالي هي بصفتها الإسلامية تنتظم ضمنها.
وبعد أن وقع التأكيد في الملتقى على أن الأصل في المعاملات الإباحة عُرضت ضوابط للهندسة المالية من منظور إسلامي حتى لا تنحرف عن تحقيق أهدافها كالالتزام الأخلاقي والارتباط بالاقتصاد الحقيقي والارتكاز على قاعدة الغنم بالغرم (المخاطر تبقى على من أنشاها لا تُحال ولا تُباع ويُمكن أن توزّع) وتحقيق التوازن بين المتعاملين.
كما ذُكرت أسس للهندسة المالية الإسلامية كالمصداقية الشرعية(عبر الانضباط للمعايير الشرعية) والكفاءة الاقتصادية والاجتماعية.
و فيما يخص ضمان المستحقات الربحية فقد أكد الملتقى على أن الهندسة المالية الإسلامية بما تشترطه من توفير للمخرج في كل عملية تمويلية وتوفيق وتناسق دائمين بين القبض النقدي الداخل والخارج والابتعاد عن مخاطر السعر والسيولة وتخفيف مخاطر الملك إلى ادني حدودها تجعل تحقيق الربح أمرا مفروغا منه ومن تجليات الكفاءة الاقتصادية للهندسة المالية الإسلامية إلا أن الملتقى لفت الانتباه إلى أن مُسَوِّغ الربح ذاته في الشريعة الإسلامية مُتمثلا في “الملك المكتمل بالقبض” وهو معنى الخراج بالضمان والضمان هنا هو ضمان الملك لا ضمان سعر ولا سيولة.
ومن الأمثلة التي ذُكرت والموافقة لذلك تمويل رأس المال العامل كخط الائتمان بالمُرابحة مع الوكالة (بيع الوكيل لنفسه ما لم تتعارض المصالح) وتمويل تسويق المحاصيل الزراعية وتمويل عقود الاستجرار وكذلك تمويل الخدمات كالإجارة للآمر بالإجارة وتمويل أوقات الاتصال الهاتفي.
أما فيما يخص إسهام الهندسة المالية الإسلامية في تحقيق المقاصد التنموية وخاصة أهداف الألفية السّبع عشر للأمم المتحدة في ظل ّ تحديات تحقيقها في البلاد النامية بما فيها تونس وعلى رأسها تحدي تعبئة الموارد المالية فقد ذكر الملتقى مُنتج الصكوك كأدة مالية مُبتكرة لخدمة التنمية ضمن التزام بالمبادئ الحاكمة لأصول الفقه وقواعده مع تجنب الحيل وتركيب العقود والتحايل على المحرم.
كما أبرز الملتقى دور الصكوك في تعبئة الموارد الضرورية لذلك على أن تكون طويلة الأجل وبهدف تطوير المشاريع وإيجاد الضمانات الصحيحة لتشجيع المشتركين وتوفير البيئة المشجعة على تمويل المشاريع كل ذلك مع تطوير سوق رأس المال وتمكين المستثمرين من بيع هذه السندات والصكوك.
كما سلط الملتقى الضوء على مشروع “زيتونة تمكين” الذي يريد أصحابه جعله مؤسسة تنمية خادمة للفئات المقصية من خدمات النظام البنكي لوضع أغلال الفقر عنهم والحرمان وتمكين القادرين على الشغل منهم على إدماجهم في الحياة الاقتصادية والاجتماعية.
وقد قُدمت على أنها مؤسسة مبتكرة ذات تصورات وآليات مبتكرة مما يجعلها في خانة منتجات الهندسة المالية الإسلامية الخادمة للتنمية في تونس عبر التمكين الاقتصادي من خلال صيغ تمويل أثبتت تطبيقاتها سواء في فلسطين – السودان – بينين – اليمن كفاءتها الاقتصادية والاجتماعية.
وقد شدد الملتقى في هذا السياق على ضرورة تحيين المنظومة التشريعية وتطويرها بما يُساعد الأدوات المالية المبتكرة على القيام بوظيفتها التنموية دون أن ننسى دورنا في توفير بقية الشروط الملائمة لتطور المالية الإسلامية وهندستها خاصة عمق التكوين والتعليم في المجال وإتقان تدبر آيات القرآن وهذا لن يكون دون فتح أقفال القلوب حتى نتخلص من الآني واستيعاب الواقع لنا لنتحرر من قيوده ونقدر على التحكم فيه ونمشي على سواء السبيل صراط الازدهار والتقدم.
وفي هذا السياق وبعد أن قام الملتقى بتكريم طلبة المالية الإسلامية من كل من جامعة الزيتونة وكلية العلوم الاقتصادية والتصرف بصفاقس تناول مُلتقى صفاقس الدولي للمالية الإسلامية في محطته الختامية لدورته الرابعة منهاجية البحث العلمي في الهندسة المالية تقوية لقدرات طلبة الماجستير والدكتوراه البحثية عبر تناول أدوات البحث العلمي في الهندسة المالية الإسلامية عبر عرض المحاكاة كنموذج.
3- ما بعد الملتقى
ما هو مطلوب بعد ملتقى صفاقس الدولي الرابع للمالية الإسلامية تفعيلَا لمخرجات هذا الملتقى والملتقيات السابقة وعملا على أن تستفيد الجهة والوطن بها على المستوى الاقتصادي والتنموي ما يلي :
· توضيح المعايير الشرعية المنظمة للهندسة المالية الإسلامية وإشاعتها لدى العاملين فيها.
· إعداد الكفاءات العلمية الشرعية والتقنية والحرفية في هذا المجال.
· عقد شراكة حقيقية بين مؤسسات التعليم العالي العامة والخاصة والقطاعات الاقتصادية خاصة الصناعية منها والمُنظّمَات التي تمثلها والسّلط المحلية منها والجهوية والمركزية وجمعيات المجتمع المدني للتفكير في سبل ذلك.
· التواصل مع مجلس نواب الشعب لتأهيل المنظومة التشريعية بما يمكن الهندسة المالية الإسلامية من لعب دورها التنموي بتونس.
· تجربة التمويل الإسلامي بتونس تعتبر حديثة العهد مقارنة بتجربة التمويل التقليدي لذلك فالمقارنة بينهما غير ذي جدوى وكل ما هو مطلوب هو انخراط المؤمنين بالمالية الإسلامية في تونس إلى مزيد التعاون والشراكة من اجل تطويرها بما يعنيه من احتفاظ بالمكتسبات التي تحققت وتجاوز الهنات وبذل كل الجهد على إنجاحها والعمل على جعلها نموذجا في القيام بدورها الاقتصادي والاجتماعي بنجاح.
المُقرر العام الناطق الرسمي للملتقى / نجم الدين غربال