أولى إشارات التحديث التكنولوجي في طرقات صفاقس: شركة SOTECA تحدث المفترقات الضوئية ذات الأولوية
يعتبر النقل العمومي من ركائز التنظيم العمراني ووسائل التحكم في الاستغلال الترابي والتنظيم الفضائي للاقتصاد، كونه يسهّل على سلطة التهيئة توجيه حركة التنقل اليومي والتقليص من المساحة العامة المخصصة للسيارات لفائدة استغلالات تفضيلية كمسالك الدراجات وأرصفة المترجلين، هذا إلى جانب التقليص من حجم استهلاك الوقود وإصدار الغازات الملوثة عبر تقليص نسبة التنقلات بالسيارات الخاصة مع الحفاظ على نفس حجم التنقلات بالنسبة للفرد. وقد شغل هذا الموضوع مختلف المتدخلين في صفاقس من مجتمع مدني وباحثين أكاديميين وسلطات إشراف وقطاع خاص، نظرا لكون النقل من كبريات مشاكل المدينة ومتسببا بصفة مباشرة في مشاكل كبرى أخرى مثل تلوث الهواء والاختلال العمراني. وقد شهدت البضع سنوات المنقضية الكثير من الحوارات، الورشات، التجارب والاقتراحات دون نتائج ملموسة، ويبدو أننا اليوم نقترب من الخروج من هذا التخبط (الإيجابي في الحقيقة) والدخول في مرحلة جديدة أكثر تناسبا مع منطق اللامركزية، وانكباب الشركاء المحليين على معالجة مشاغل جهتهم مباشرة وبأكثر نجاعة.
في هذا الصدد قامت بلدية صفاقس مؤخرا بتجربة أولية لنظام إعطاء الأولوية لحافلات النقل العمومي وسيارات الطوارئ (إسعاف وحماية مدنية) عند التقاطعات المنظمة بإشارات ضوئية، وذلك في تقاطعات نموذجية تم ربطها بمركز التحكم في المرور. تعتبر هذه الخاصية في كبريات مدن ألمانيا مثلا آلية وبديهية عند تصميم أي تقاطع ضوئي، وقد تم اعتمادها ابتداء منذ نهاية القرن الماضي بدرجات متفاوتة من التعقيد، عند انتشار أنظمة التحكم الميدانية القابلة للبرمجة وأنظمة التخاطب اللاسلكي وتدني تكلفتهما. وفي فرنسا كذلك بدأ اعتماد هذه الخاصية في تقاطعات بعض المدن على امتداد العقد الماضي، وفي كثير من المدن حول العالم. الغاية من هذا النظام هي “سياسية” بالأساس، بمعنى أنها تنبع من إرادة عند مسؤولي سلطة المرور المحلية بتفضيل مسافري النقل العمومي على مستعملي سيارات الخاصة، وذلك لثني هؤلاء عن الاستحواذ على مساحة كبيرة من الطريق لنقل بضع أفراد، واستهلاك كمية كبيرة من الوقود بالنسبة للفرد، وإصدار كمية كبيرة من الغازات الملوثة كذلك بالنسبة للفرد.
وبما أن إنجاز هذه المنظومة قد تم محليا دون اللجوء إلى استشارات وخدمات هندسية أجنبية باهضة ومجحفة، يجدر التنويه وإشهار هذه الخطوة والترويج لها لتقوية الثقة في القدرات التكنولوجية المحلية ودعم فكرة التعويل على الموارد المتاحة وتطويرها.
شرعت الشركة الجهوية للنقل بصفاقس منذ عامين في تصميم وإنجاز منظومة موْقَعَة بالأقمار الصناعية Global Positioning System وذلك لعدة تطبيقات ممكنة يمكن أن تنبني عليها مثل نظام التصرف في الأسطول عبر معرفة أماكن تواجد الحافلات في الوقت الفعلي على كل خط حتى يتسنى التدخل عند التأخير أو التعطيل، أو تطبيقة الاستعلام حول أوقات وصول الحافلات احتسابا من موقعها الحالي (مقال الموقع حول التطبيقة). تتمثل منظومة الموقعة في تجهيز كل حافلة بجهاز تتبع مثلما يوجد في أغلب الهواتف الذكية المنتشرة، وربطها عبر شبكة البيانات للهاتف الجوال بمركز التحكم والمعلومات.
من جهة أخرى، شرعت المصالح الفنية في بلدية صفاقس منذ 2013 بتدرج في انشاء منظومة تحكم عن بعد في التقاطعات الضوئية بالتوازي مع تجديد التجهيزات الميدانية لتمكين التخاطب بالشبكات اللاسلكية وإتاحة هامش حرية أكبر في التصرف في الإشارات الضوئية تجعل من الاستجابة للمتغيرات تكاد تكون حينية. يجدر الذكر هنا أن هذه الجهود أثمرت بفعل تشريك المتعاقد التقني المحلي شركة SOTECA Electric في صياغة الخيارات الفنية وإتاحة الفرصة لخبراتها الشابة في استنباط الوسائل الأنسب لواقع وتطلعات المدينة. وتعمل شركة SOTECA منذ سنوات على الاستثمار في التطوير والبحث بالتعاون مع البلدية بالاعتماد على خيرة المهندسين والتقنيين وتحت اشراف دكتور في الهندسة الكهربائية.
يعتبر إعطاء الأولوية عند المفترقات نقطة التقاء مساعي كل من الشركة الجهوية للنقل والبلدية في التحديث التكنولوجي، وما نحن بصدده اليوم يمثل بداية ما نصبو إليه من عمل مستقل للمؤسسات المحلية كل من موقعه نحو غاية عامة هي تحسين خدمات التنقل في المدينة.