صفاقس : “الكرد” .. الصخرة التي يتحطم عليها الزيتون فيخرج زيتا
مع تباشير الصباح الأولى، تنطلق الخالة خديجة بن سعد رفقة عدد من أفراد عائلتها، نحو غابة الزيتون بمنطقة الشعال من محافظة صفاقس جنوبي تونس يحذوهم الأمل والنشاط والرغبة في الابحار بين أغصان أشجار الزيتون الخضراء المنمقة بحبات خضراء وسوداء ممتلئة تسر الناظر.
ثم تتسارع أياديهم السمراء النحيلة نحو جني والتقاط أكبر عدد ممكن من حبات شجرة الزيتون المباركة قبل أن يعودوا أدراجهم بعد بضع ساعات من العمل حاملين ما يزيد عن 30 كيلوغراما من الزيتون قاصدين المنزل حيث تتم عملية عصر حبات الزيتون بطريقة يدوية واستخراج ما يطلق عليه في تونس اسم «زيت النضوح» أو «العصرة الأولى»؛ ويعتبر من أفضل وأجود أنواع زيت الزيتون مذاقا وقيمة غذائية، كما يتميز باخضرار لونه وقوة رائحته.
وتعتاد الخالة خديجة التقاط الزيتون خلال فترة حصاد هذه الثمرة بتونس، والتي تبدأ في شهر نوفمبر وتنتهي في فيفري.
ولإنتاج لتر واحد من زيت النضوح بواسطة الطريقة التقليدية، يتطلب ذلك 5 كيلوغرامات من الزيتون على أقل تقدير، كما جاء على لسان الخالة خديجة.
ويدفع نفاد مخزون أغلب العائلات من زيت الزيتون إلى اللجوء للطريقة التقليدية حتى توفر حاجتها من هذا السائل الذهبي ذو القيمة الرفيعة والفائدة الكبيرة.
وبعد جمع حبات الزيتون والعودة بها إلى المنزل «توضع بكميات محددة على مساحة صغيرة معدة من الرخام تبلغ مساحتها متر مربع ثم يؤتى بصخرة كبيرة الحجم يطلق عليها اسم “الكرد” وتتكون من مادة الجبس والحصى، ويتم بواسطتها عملية عصر الزيتون بصفة يدوية؛ حيث نمرر الصخرة على جل حبات الزيتون المتواجدة على رقعة الرخام وتسمى العملية لدى التونسيون التقريب»، حسب الخالة خديجة.
وأضافت «بعد ساعة من التقريب نحصل على عجين اختلطت فيه حبات الزيتون بنواتها».
ويعود استعمال الصخرة المسماة «الكرد» إلى العهد الروماني، حسب ترجيح الباحث في التاريخ، يوسف الشرفي.
وقال الشرفي إن «الحجارة التي تستعمل في عصر الزيتون تجلب جلها من منطقة القطار بمحافظة قفصة، جنوب غربي تونس».
بعد مرحلة التقريب، «يقع تجميع العجين في إناء صغير وعجنه مجددا باليد المجردة فقط حتى يصبح أكثر تماسكا ولزاجة ويفرز ما به من زيت»، على حد قول الخالة خديجة التي أضافت «تستغرق هذه العملية بين النصف ساعة والساعتين حسب كمية الزيتون الموجودة، قبل أن نتحول إلى المرحلة الثالثة والأخيرة والتي تسمى الطفح، حيث يتم خلالها نقل العجين مرة أخرى إلى إناء أكبر حجم ثم يقع سكب الماء عليه بمقدار سطلين على أقصى تقدير ونبادر بفرك العجين يدويا حتى يتحلل وسط الماء ويخرج ما فيه من زيت يطفو شيئا فشيئا فوق الماء وترسب بقية الشوائب في القاع».
وحسب خديجة أن عملية فرك العجين لدى الفلاحيين التونسيين تسمى «التفوتير».
ومع صعود الزيت وتجمعه فوق الماء، يتم أخذه بحفنة اليد وبحركات مدروسة تقوم بها الخالة خديجة وثم يسكب الزيت في «كسكاس»؛ وهو أداة تصفية، لينساب الزيت من الكسكاس نحو الإناء الذي يوجد أسفل منه تاركا وراءه بعض الشوائب عالقة بثقب الكسكاس الصغيرة.
وتتكرر هذه العملية عدة مرات حتى يستنفد عجين حبات الزيتون ما به من زيت، ويسكب جله داخل الإناء صافيا خاليا من جل الشوائب العالقة به زاخرا بالفوائد الصحية ويميل لونه إلى الخضرة البراقة وتنبعث منه رائحة قوية.
وقالت خديجة: «العائلة التونسية وخاصة الريفية لا يمكن أن تستغني عن ذخيرتها من الزيت طوال السنة؛ فزيت الزيتون غذاء ودواء».
وبخلاف الطريقة التقليدية في انتاج الزيت، توجد طريقة أخرى ضاربة في القدم، وهي عصر حبات الزيتون دهسا بالأقدام، وأيضا طريقة الرحى التقليدية؛ وهي عبارة عن قطعتين مستديرتين من الحجر توضع بينهما حبات الزيتون وتداران باستمرار حتى تعصر حبات الزيتون، حسب يوسف الشرفي.
وبخصوص فوائد زيت النضوح، قال مهندس التغذية هشام مزيد: «لزيت الزيتون فوائد متعددة فهو يسهل الهضم ومفيد للقلب والأمعاء والمعدة والحنجرة».
وأضاف: «زيت الزيتون بصفة عامة والنضوح بصفة خاصة وإضافة إلى منافعه، فإن له فوائد إيجابية على الجلد والبشرة».
وتحتل الفلاحة وخاصة زيت الزيتون مكانة كبيرة في اقتصاد ولاية صفاقس حيث تمسح الأراضي الزراعية 85 ٪ من أراضي الجهة، كما تنتج صفاقس 40 ٪ من الانتاج التونسي من زيت الزيتون، وتحتل منطقة بئر علي بن خليفة التابعة لمحافظة صفاقس المرتبة الأولى عالميا في إنتاج الزيتون البيولوجي.
وتعد تونس رابع منتج للزيت في العالم كما يعود تاريخ غراسة أشجار الزيتون إلى القرن الثامن قبل الميلاد وهي اليوم تحتل أكثر من ثلث المساحة المخصصة للنشاط الفلاحي. والزيتون أنواع وأصناف ومن بينها «الشملالي» و»المسكي»، و»البسباسي» و»المرصلين»، و»الوسلاتي»، و»الزلماطي».
مقتطف من مقال بسام بن ضو / الأناضول / نوفمبر 2014