الكنيسية والعبث الثقافي : بقلم الاستاذ حاتم الكسيبي
الكنيسية معلم تاريخي يتوسّط هذه المدينة الحالمة فهي تشرف على السور و تقف مراقبة للمعمار العربي الأصيل و لباب القصبة لعلها تستدرجه إلى سجال جديد. ذاك المعمار الذي لا يفصله عن باب القصبة سوى ساحة المقاومة التي حملت آمال الأجداد الذين ضحوا في سبيل رفعة هذا الوطن. لقد أقام المعمرون الكنيسية ليتعبّدوا فيها و يقيموا طقوسهم في سابق الأيام و بعد الاستقلال صارت ملاذا رياضيا للعديد من فرق الجهة و للمباريات الرياضية التلمذية. كانت تعج بالصخب و أهازيج الرياضة و كانت موطنا لعديد التظاهرات الثقافية و حتى الاجتماعات في وقت مضى حتى تصالح معمارها مع أصول و أسس المدينة العربية فصارت قطعة منها.
تجري الرياح بما لا تشتهيه السفن ولا الربّان ولا راكبو البحر جميعا إذ تقرر العبث بهذا المعلم التاريخي في غفلة من أهل المدينة و في أوج “البهذلة” السياسية التي نعيشها فاستفردت بالكنيسية نخبة لا يراها القوم نخبة ولا يؤمن أغلبهم بتوجهاتها الثقافية فابتدعت الأفكار بمناسبة تظاهرة صفاقس عاصمة للثقافة العربية و نسجت خيوط الرداءة نماذج لمجرّد التصوير والتدشين ثم غابت الفكرة و تاه الأنموذج و صرف المال بين السفرات والملتقيات و الاستقبالات و مظاهر الزينة حتى ضاع المعلم بعد أن دمّرته من الداخل معاول الهدم و عبثت بخصوصياته المعمارية و ربّما رسومه الداخلية و بهوه الفسيح الذي أحسبه قسّم اربا اربا بين قاعات لا يعرف فيما سيقع استغلالها و فضاءات لا يعلم إن كانت تفي بحاجيات الثقافة في هذه المدينة الحالمة.
النتيجة : تأخرت المكتبة الالكترونية أو الرقمية أو العددية سمّها ما شئت ولكن المهم أنّها لم تكتمل بعد و أهل صفاقس لا يعرفون ما سيكون بداخلها ولكننا فقدنا في نفس الوقت قاعة رياضية كانت تنشط على الدوام لشتى أنواع الرياضة ولم تعوّض بأخرى. صفاقس ذات المسبح البلدي الواحد و ملعب كرة القدم الواحد و المسرح الواحد، رغم أنّه لازال في طور الإصلاح، فكيف يكون بها عدد لا بأس به من قاعات الرياضة؟ لذلك عمدوا إلى العبث الثقافي بالكنيسية حتّى يتدهور التكوين الرياضي لشبان الجهة و يغيب تألقهم الوطني. سؤال لمن سعى لتحويل الكنيسية الى مكتبة رقمية: أين يتمرّن مدارس و أداني و أصاغر الفرق الجهوية في كرات السلة والطائرة و اليد و الملاكمة و الجيدو و غيرها من الرياضات ؟ أليس يعتدّ ذلك عبثا ؟