مجيدة بوليلة : دروس وعبر
13 نوفمبر 1931 – 14 سبتمبر 1952
منذ بضعة أيّام وقع إحياء ذكرى اغتيال الشهيد الهادي شاكر في الثالث عشر من سبتمبر من سنة 1953 لكن لا أحد فيما أعلم تذكّر امرأة استشهدت من أجل الوطن قبل المرحوم الهادي شاكر بسنة اسمها مجيدة بوليلة وكان ذلك في الرابع من سبتمبر من سنة 1952 هي واحدة من النساء التونسيات اللائي تمثلن مصدرا أساسيا لحفظ الذاكرة الثورية وإحياء مناسبة وفاتها يعتبر موقفا فيه من الوفاء لامرأة مناضلة بقدر مافيه من المساهمة في القضاء على التمييز بين الرجل والمرأة بل هو ضرب من إنصاف المرأة من بعض الرجال الذين يريدون الاستحواذ على التاريخ لأنفسهم وحدهم.
مجيدة بوليلة مناضلة دستورية توفيت وعمرها واحد وعشرون عاما ولدت سنة 1931 وتحديدا في الثالث عشر من نوفمبر أي بعد سنة واحدة من إصدار الحداد كتابه ” امرأتنا في الشريعة والمجتمع ” وشروع نظارة الزيتونة في مهاجمته والردّ عليه والطعن فيه وتوفيت سنة 1952 وتحديدا في الرابع من سبتمبر أي قبل ثلاثة أشهر من اغتيال الزعيم فرحات حشاد ( في 5 ديسمبر) إذن ولدت مع ميلاد كتاب وتوفيت مع وفاة زعيم بين الحداد وحشاد.
ماتت هذه المناضلة وهي في حالة مخاض أي وهي تمنح الحياة لابنتها الثانية (نادرة ) تجدّد الحياة ، و تدافع عن غيرها في حقه في الحياة ، تدافع عن حق وطنها في الاستقلال وفي الكرامة الإنسانية كانت تنقل الحياة وتنقل رسالة من جيل إلى جيل، كانت في مخاض بالمعنى الحسي وبالمعنى الرمزي حملت بفتاة وحملت بشعب ماتت ولكنها زرعت بذرة الحياة من جديد ليتواصل النضال.وهذا هو معنى الخصوبة التونسية وذاك هو معنى العقم في المستعمر الفرنسي لحظة واصلة فاصلة بين الحياة والموت هي الولادة و الخروج إلى عالم جديد من رحم العالم القديم رغم صغر سنها.
آمنت مجيدة بوليلة أن لا حرية للمرأة ما دام وطنها مستعمرا وما لم يتحرر هذا الوطن من الاستعمار وما لم تشارك المرأة فعليا في عملية التحرير . لقد ارتقت مجيدة بوليلة بإشكالية المرأة من المجال الديني والاجتماعي إلى المجال الوطني و السياسي ومن سؤال كيف نتقدم بالمرأة في المستوى الأسري إلى كيف تجعل المرأة الحركة الوطنية عاملا من عوامل تحررها متجاوزة الخطاب الإصلاحي الذي كان سائدا منذ القرن التاسع عشر راهنت مجيدة بوليلة على نفسها امرأة وزوجة وأمّا ومناضلة فكانت مفردا بصيغة الجمع تمرّدت به على ثقافة الفحولة إلى ثقافة المواطنة ومن ثقافة الذكورة إلى الثقافة الإنسانية. لم تعد المرأة مع مجيدة أنثى الرجل كما يقول ديدرو ولم تعد مجرد زوج فأمّ مع الحداد ولم تعد الجنس اللطيف كما يراها رشيد رضا وإنما هي البطلة التي تنسف العالم الضيق اللامسؤول وتخرج إلى الفضاء العام مثلها مثل الرجل في التزام كامل بقضايا الوطن وهمومه.. كان مذهب مجيدة أن لا حرية للمرأة ولا تقدم تحققه ما لم تبادر هي إلى ذلك بنفسها وإلى الفعل في الواقع بإرادتها والمساهمة في تغييره لصالحها في إطار مشروع مجتمعي تؤثر فيه الوطن على نفسها وتقدّم مصلحة الآخر على مصلحتها . أقدمت مجيدة بوليلة على العمل الوطني دون أن تبالي بوضعها الصحي ودون خوف من الحمل واستتباعاته ودون حسابات ضيقة كثيرا ما تحصل بين المناضلين نساء أو رجالا.
لقد آمنت مجيدة بوليلة بأن لا حرية للشعب التونسي إلا بتعاضد القوى الشعبية رجالا ونساء بقيادة حزب وطني مثلما آمنت بأنّ حرية المرأة من حرية الشعب وحرية الشعب من حرية المرأة ولا يوصف الشعب بكونه حرا حتى يتحرر نساؤه ويتمكنّ من حرياتهنّ السياسية والمدنية كبقية أفراد الشعب ومع ذلك ظل تثمين نضال هذه المرأة محتشما ولم تلق صاحبته التقدير الذي يليق بمساهمتها ممّا يدلّ على أنّ النضال في سبيل المساواة التامة بين الرجل والمرأة ما زال مطلبا مشروعا شمل الله الشهيدة مجيدة بوليلة برحمته.
ابراهيم بن صالح عضو الهيئة المديرة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان في 20 سبتمبر 2018