القراء يكتبون : متى تفوز صفاقس بدكان للثقافة؟
مبارك للجمهورية و لعاصمتها الأبية بمدينة الثقافة المتعددة المسارح والفضاءات الرحبة. ستزيد العاصمة مركزية عن مركزيتها فتحبس الثقافة كما حبست الاقتصاد والمال والسياسة. مبارك للعاصمة في ثورة بشّرت بالحكم المحلي و شرّعت له الفصول في الدستور ونحن نستعدّ لأوّل موعد للانتخابات المحلية. المسكينة العاصمة ستتناول الثقافة صباحا مساء و قطعا يوم الأحد، سيرتاد المدينة القاصي والداني و سيشكو الداخل قلة المال لتوفير تذكرة التنقل الى مدينة الثقافة فتبقى بالنسبة له وهما يراه في التلفاز وفي صور الفايس بوك. لم يتمكّن الداخل من زيارة البلفيدير وحديقته الغنّاء رغم بلوغه سنّ الكهولة فكيف له أن يزور من ولدت اليوم فيشهد الهبّة الثقافية المرجوة ويتابع مسرحيات طوبال و حفلات الأوبرات و الراب و غيرها من مناشط الثقافة في بلدي المتهور قيميّا و أخلاقيا في فنونه و أحاسيسه.
هذه صفاقس المسكينة تشكو ضيق الحال الثقافي بعد فشل خطوبتها على الثقافة العربية رغم الموعد الذي حشد له الجمهور ولكنّه لم ير طحينا و لم يسمع جعجعة. هذه صفاقس دون مسرح و بمكتبة بالية لا تكفي تلاميذ المدينة للمراجعة والمطالعة و دون سينما و دون متاحف وطنية عدا ما وفّر المواطنون أبراج و سرايات قديمة. صفاقس تشكو مناشط الترفيه والثقافة فتراهم رحّلا في كل عطلة مدرسية يتيهون في الشمال والجنوب ويبحثون عن موطأ يهنأ فيه العيش ليوم أو يومين. هنالك قد يتحرر العقل من صخب الحياة اليومية و الجري وراء المستقبل الذي لم يلح بعد أفقه. معاذ الله أن تحلم صفاقس بمدينة للثقافة فحلمها مصادر الى أجل بعيد ولكنّها قد ترضى بمجرد بناية متعددة الاختصاصات يتيه فيها فنانونا و مثقفونا فينتجون أدبا ومسرحا وغناء لتهذيب الروح والجسد. صفاقس تحلم بطابق من البناية فتكتفي به ناديا من نوادي الأدب والشعر و النحت و الرسم و العزف والفن الأصيل فتبرز أسماء لامعة في عديد المجالات كما برز من قبل الجموسي و غيره. بل قد ترضى صفاقس بمجرد دكان يرتاده أهل الثقافة وتنفق عليه الدولة من حرّ مالها فتجهّزه بأرقى الوسائل والوسائط.
لم ينظروا إلى سورها الشامخ الذي يحيط بالمدينة العربي من الجهات الأربع ولم ينظروا إلى بقية آثارها الممتدة في قلب المدينة وخارجها ولم يعيروا اهتماما لعلمائها و جهابذتها الأولين والمعاصرين. حتى أمواج أثير الزيتونة جعلوها حبيسة الجهة و لم يسمحوا لها بالانتشار في بقية الجهات من أرض الوطن بل سمحوا لإذاعات عدة أن تغزو أثير المدينة وتؤثر على ثقافته وذوقه و طريقة تفكيره. الثقافة للوطن بأسره بما حوى من المدن و الجهات ففيها تقام المهرجانات وفيها ينشط المثقف ليبرز فنّا أو شعرا أو رأيا أو حكمة أو طريقة تعبير واعية لذلك بات لزاما على الدولة أن تنشئ دورا للثقافة في كل الجهات وتشملها بالعناية والتوسعة ليرتادها الشباب فيغادر المقهى و لا يفكر في الجبل ولا في البحر.
بقلم الاستاذ حاتم الكسيبي