القراء يكتبون : في صفاقس .. “باندي برتبة عساس”
ستجول و تلفّ حتما كافة الشوارع و الأنهج لتركن سيارتك ولكن دون جدوى فالعمارات المتسلقة لفضائنا الملوث لم تترك ولو مساحا صغيرا للغرض و المرابض المعدّة للغرض تكاد تكون مفقودة وسط المدينة. ستركنها اذن قرب خرابة أو مكان مهيئ للبناء أو نهج سهت عنه البلدية وتركته هكذا : حفر واتربة و مزابل مكدسة. تحمد الله وتثني عليه أن رزقك ركنا لتركن سيارتك هنيهة من الزمن فتلتحق بالمدينة العربي أو بأحد الأسواق ثم تعود اليها على عجل. هنالك تجد ما لم يكن في الحسبان و تحلف بأقسى الأيمان أنّك كرهت المدينة وأزقتها وضيقها و أنهجها وشوارعها فتطلّق سوق الحوت و باب الجبلي و تنكر وجود باب الديوان وباب البحر ثم تترك نفسك عن طواعية فريسة مستساغة لباعة الكميونات المنتصبين على الطرقات و المغازات التي توفّر لك مربضا للسيارة ظاهره مجاني.
يدركك رجل في مقتبل العمر وقد يكون يافعا مسلحا بلسان جارح وقد تكون ايضا امرأة تتمنى ساعة لقائها أن تعاف النساء، حدّة طبع و نظرة مستطيرة و خشية أن تهرب من براثنها فتنسحب سيارتك دون خلاص “العسّة”. قد يلقون عليك التحية ساعة وقد يجدّون في طلبهم مباشرة فيطلبون الدينار بأكمله لأجل عشرات الدقائق. وقد تغريك هيئتك و هندامك و رتبتك في المجتمع فتطلب بوجه خلوق ان كانت لديه رخصة فيومئ برأسه فان ألححت في الطلب أظهر لك ورقا منسوخا في حالة رثّة لا تكاد تستقي منه التاريخ ولا الهيئة التي أمضت عليه. ثم يعاود الطلب فتحتج فتكون عرضة لما لا يحمد عقباه. تبيّن له أن مثل هذا المكان لا يمكن بأي حال من الأحوال يكترى من البلدية وأنّه خارج التهيئة و لكن ما باليد حيلة فصاحبك مفتول العضلات و مفتول اللسان أيضا وله فيلق من القرناء قد يصيبونك بسوء.
تدركك رجاحة العقل و تذهب عنك وسوسة الانتقام والصياح والاستنجاد بالغير فيغادر جيبك الدينار ليهنأ به وقرناؤه ثم ينتقل الى سيارة أخرى قد اشتعلت أضواءها معلنة بقدوم صاحبها وهنالك قصة أخرى. هذه المرة صاحبة السيارة شابة تتهافت عليها أنظار العساسة “الباندية” فيسارعون لمساعدتها حتى تستقر في سيارتها ويوجهونها حتى تستقيم سيارتها على الطريق ثم يطلبون منها المال بكل دلال فتستحي المسكينة و تدفع الدينار المنكود لتفر من غزل القرود. تلك هي صفاقس كما أصبحت بعد أن استحوذ الأشرار على الارصفة والأزقة والشوارع و حتى ما تبقى من مساحات بيضاء في صفاقس الجديدة. تلك هي صفاقس التي اعلنت البلدية يوما ما انّها لم تعد تسوغ الشوارع و الأنهج ولكن العساسة الباندية عادوا دون تسويغ.
بقلم الاستاذ حاتم الكسيبي