صفاقس : مُطعِم كلاب الميناء السائبة .. بقلم حاتم الكسيبي

صفاقس - مُطعِم - الكلاب السائبة - ميناء الصيد

التقيته صدفة جانب السوق المركزي يجمع القمامة و يحمّل ما تبقّى من طعام في أكياس يحملها على ظهره. كان رث الحالة موغل في السكوت و منصرف الى الحصول على قدر كاف مما ألقى به الناس في المزابل نتيجة افراط الاستهلاك و شهوات رمضان التي لا تنتهي. كان ينتقل من حاوية الى حاوية ليجمع بعدها مباشرة أكياسه دون كلل ولا ملل. غريب امره، اذ تخاله أول مرّة المنتفع بما يجمع و المقتات مما ترك القوم في قمامتهم دون مبالاة بالفقير و المسكين و فاقد السند.

اتجه الرجل صوب الميناء البحري بأكياسه و ادرانها وسوائلها التي تتقاطر يتابع الخطى وكأنّه على موعد ما. لم ننتظر طويلا حتى علا نباح بعض الكلاب البيضاء والمرقطة وكأنّها تستدعي أقرانها لوليمة حضرت للتو. سرعان ما تكاثرت الأعداد حتى صار قطيعا من الكلاب السائبة التي تتكاثر و تنتشر في ميناء الصيد البحري بصفاقس. تجاوز العدد في لحظة دهشة الخمسين فالستين فأكثر من ذلك بكثير، تسير الكلاب سيرا متناغما مع الرجل المطعم وكأنّ بينه و بينها ميثاق غليظ. سبحان الله يجمع الفقير المحتاج القوت لهاته الكلاب اذ سخّره الله لمثل هذا الفعل المتواتر الرائع، قال تعالى “وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ”.

ذاك درس في الرفق بالحيوان من مواطن يحتاج من يرفق به فيحسن من هيئته ويعينه على نوائب الدهر و يمكّنه من فضلات الطعام نظيفة سليمة في أكياس على حدا بعد أن نذر نفسه طواعية لإطعام هذه الكلاب السائبة. هكذا يحفظ المجتمع قدرا من الشكر لما أنعم الله علينا في ظل غلاء فاحش و قدرا من الاحترام لجامع القمامة لأجل اطعام الحيوان. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بَيْنَا رَجُلٌ يَمْشِي، فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ العَطَشُ، فَنَزَلَ بِئْراً فَشَرِبَ مِنْهَا، ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا هُوَ بِكَلْبٍ يَلْهَثُ، يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ العَطَشِ، فَقال: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ بِي، فَمَلأ خُفَّهُ ثُمَّ أمْسَكَهُ بِفِيهِ، ثُمَّ رَقِيَ فَسَقَى الكَلْبَ، فَشَكَرَ اللهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ». قالوا: يَا رَسُولَ الله، وَإِنَّ لَنَا فِي البَهَائِمِ أجْراً؟ قال: «فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أجْرٌ».

بقلم حاتم الكسيبي

قد يعجبك ايضا