نريد نوابا كالأسود يدافعون عن مدينتهم وولايتهم بشراسة : بقلم د. محمد الناصر بن عرب
بعد اندلاع الثورة في تونس تغير النظام وشرعنا في ممارسة الديمقراطية فصوتنا للأحزاب الكبرى التي وعدتنا بتغيير أوضاعنا الاجتماعية والاقتصادية المزرية وتحقيق الحرية والعدالة الاجتماعية للعيش الكريم. ورغم الوعود التي يبثها ويكررها الاعلام على الجماهير تحت راية الأحزاب الكبرى قبل الاقتراع، استمرت الأوضاع المزرية في بلادنا تتمثل في الركود والكساد والبطالة والتلوث في أغلب الولايات. لكن تواصل الاستثمار واستدامت التنمية نسبيا في الساحل وتونس العاصمة وجربة… فتأكدنا نهائيا أن الأحزاب لا تهمها مصالح الشعب لأن الأوضاع تدهورت بعد الثورة أكثر فأكثر وانتشر الفاسد بصفة مهولة وتفاقمت البطالة واختنقت القدرة الشرائية ولم يتحرك ساكن لنواب الشعب الذين انتخبوا من أجل الدفاع عن التنمية والقيم ومقاومة الفقر وعدم المساواة.
فليس بغريب إذا ارتفعت الرغبة في نوايا التصويت في الانتخابات التشريعية المقبلة فهذا مؤشر يدل ليس على تحسن الثقة في الانتخابات فحسب بل هو دليل قاطع على إرادة شعبية تسعى للتغيير الجذري لكل أحوال بلادنا. ويبدو أن ممارسة الديمقراطية بدأت تثمر لأن المترشحين المستقلين والمجتمع المدني تقدموا بأكثر عدد ممكن على القائمات المترشحة.
بعد تأسيس الدولة التونسية كان أمل التونسيين مفرطا لتحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية والثقافية والترفيهية والاكتفاء الذاتي في كامل أنحاء الجمهورية تحت إشراف الدولة. لكن أغلب الولايات لم تحض بالعناية المرموقة للخروج من التخلف. وتضاعفت الآمال بعد الثورة لأن الشعب كان يعتقد أن إقصاء المدن والقرى من التنمية والعيش الكريم كان ينبع عن إرادة النظام السابق لثورة يناير/ جانفي 2011.
في مدينة صفاقس وولايتها لم يتحسن الوضع الاجتماعي والثقافي والسياحي والاقتصادي والترفيهي رغم أنها المدينة الثانية بعد تونس العاصمة.
تضخمت مدينة صفاقس بالبناء المعماري الفوضوي المفرط الذي لا يخضع لأي رقابة معمارية للمحافظة على الطابع المعماري التقليدي كما أنه لم يقع أي تخطيط للفضاءات الخضراء، علما أن مدينة صفاقس لا توجد في أرجائها الواسعة إلا حديقة عمومية واحدة من عهد الاستعمار. كما أن السكة الحديدية التي تربط بين المتلوي وصفاقس عبر قفصة أنشأتها فرنسا سنة 1899 وبين سوسة وصفاقس انطلقت سنة 1911 ولم تتحسن منذ الاستقلال. وما زالت محطة السكك الحديدية بصفاقس التي شيدها الاستعمار لحوالي 40.000 ساكن في بداية القرن العشرين ميلاديا هي نفس المحطة اليوم التي توفر النقل لحوالي مليون ساكن بولاية صفاقس ؟ البنية التحتية سيئة للغاية وحركة المرور اليومية لا تطاق والنقل العمومي لا يتوفر للمتساكنين بصفة جيدة وتراجع نشاط ميناء صفاقس التجاري بصفة مذهلة بعدما كان أكبر ميناء بالجمهورية التونسية في بداية الاستقلال. أما المطار فلا يليق بثاني مدينة في الجمهورية التونسية الذي لا يستوعب طائرتين في نفس الوقت فأغلب سكان ولاية صفاقس والجنوب يلجئون إلى مطار المنستير وتونس العاصمة للسفر للخارج…أما المسلخ البلدي الذي قام بتأسيسه المستعمر في بداية القرن العشرين فهو كارثة على وجه الأرض ونرجو أن يتجرأ المواطنون لزيارته لأن الحالة الصحية في هذا المحل يرثى لها وتشمئز لها النفوس لاستهلاك اللحوم…
كانت التنمية بولاية صفاقس تحتل المرتبة الأولى أو الثانية على الصعيد الوطني فتأخرت وهي الآن في المرتبة الثامنة. وتعطل الاستثمار بولاية صفاقس من جراء التلوث المفرط الذي أصبح سببا لمرض السرطان والربو والحساسية للسكان…ولا يوجد شاطئ يجذب المواطنين للاستحمام في مائه بصفاقس رغم طول سواحلها فتلجأ أقلية من مواطني صفاقس للاستحمام في بحار جربة والمهدية وسوسة والحمامات والمرسى. وإذا أراد سكان ولاية صفاقس مشاهدة السينما والمسرح وزيارة المتاحف والمكتبات العمومية والدخول للمسابح وللفضاءات الترفيهية فعليهم السفر لمدن الساحل أو لتونس العاصمة. فكل هذا لا يوجد في ثاني مدينة بالجمهورية التونسية. كما أن المعالم التاريخية والتراثية العديدة والثرية بولاية صفاقس وعلى رأسها مدينة صفاقس العتيقة لم تجد أي اهتمام ورعاية أو صيانة أو إرادة من طرف الدولة التونسية منذ الاستقلال لضمها إلى المناطق السياحية. فلا تستقطب مدينة صفاقس وولايتها السياح في حين أنه بإمكانها أن تكون قطبا سياحيا فريدا من نوعه.
صفاقس الولاية الأولى في إنتاج زيت الزيتون واللوز والحليب ومشتقاته والبيض كما أنها القطب الجامعي الثاني في الجمهورية التونسية الذي يجمع حوالي 55.000 طالب وطالبة. وفي هذه السنة تدخل جامعة صفاقس للمرة الأولى في ترتيب أفضل 300 جامعة بالعالم سنة 2019. كما تتصدر صفاقس نسبة النجاح في شهادة الباكلوريا لسنة 2019. وهي ثاني مركز صناعي بعد تونس العاصمة. ورغم هذا وقع إقصائها منذ الاستقلال إقصاء تتآكل من جرائه قدراتها يستهدف تنميتها ويمنعها أن تكون قطبا يسر المتساكنين والزائرين.
فنظرا للأوضاع الاجتماعية المزرية وغياب المواصفات الحديثة للمدينة يهاجر شباب صفاقس بحثا عن العيش الكريم.
بعد الثورة انتخب أهالي ولاية صفاقس العديد من النواب للدفاع عن حقوقها في التنمية والارتقاء والتقدم للعيش الكريم “غير أن الليل ظل ركودا جامدا صامتا مثل غدير القفر من دون صدى” فلم يكن مستوى المنجزات التشريعية في حجم توقعات الناخبين لسنة 2014.ولم يوفوا هؤلاء النواب بوعدهم للنهوض بمدينتهم كما تواصلت الدولة التونسية في عدم الاكتراث واللامبالاة لتلبية مطالب سكان ولاية صفاقس.
وفي هذه الدورة للانتخابات التشريعية يبدو أن صفاقس عقدت العزم على غزو المجلس التأسيسي عبر ممثليها الذين تقدموا للترشح لتحقيق مطالبها للتنمية والرقي ومحو الأوضاع المزرية. ولقد تم القبول الأولي ل52 قائمة بصفاقس 1 تتمثل في 22 قائمة حزبية و16 مستقلة و14 ائتلافية. أما صفاقس 2 فلقد حظيت بالقبول الأولي ل 45 قائمة مترشحة توزعت بين 20 قائمة حزبية و15 قائمة ائتلافية و14 قائمة مستقلة وسوف يتم الإعلان عن القائمات النهائية المقبولة يوم 30 آب/أوت الجاري.
ماذا نريد من شبابنا ومن كل من اهتم بحقوق صفاقس المهضومة وتقدم للمشاركة في هذه الانتخابات التشريعية ؟ نريد نوابا كالأسود يدافعون عن مدينتهم وولايتهم بشراسة. وهذا أمر بسيط في حد ذاته إذا اجتهد وأصر النواب على تطبيق القانون حتى تتمكن ولاية صفاقس من التمتع بحقها في الميزانية اللازمة لتنفيذ كل مشاريعها.
نحن نطالب من كل نائب منتخب جديد أن يعمل لفائدة مدينة وولاية صفاقس كأنه يعمل لفائدته الخاصة. نريد أن يتمتع المواطن بولاية صفاقس بالعدالة الاجتماعية التي تخول له بنية تحتية للتنقل دون إكتظاظ . نريد نوابا يقاومون الانتهاكات المناخية ويلتزمون التزاما واضحا صارما ضد التلوث. نريد نوابا يعملون على توفير الشغل للجميع وإنشاء عديد المؤسسات الاستشفائية وتشييد العديد من دور الثقافة والترفيه والرياضة والسباحة والحدائق العمومية والفضاءات التي تجمع شمل المواطنين في المكتبات والمسرح والسينما والمهرجانات والمتاحف ومعاهد الموسيقى والرقص والنوادي المتعددة.
نريد نوابا في المجلس التأسيسي يهتمون بكل القطاعات لإيجاد الأطر القانونية للإحاطة بكل ما يهم مشاغل متساكني ولاية صفاقس والنهوض بها على غرار ما هو معمول بتونس العاصمة.
وبما أن العديد من المترشحين قد ناضلوا منذ عشرات السنين لتحسين الأوضاع بمدينة صفاقس وولايتها ويعرفون حق المعرفة ما لم تخوله السلطات المحلية والدولة للنهوض بثاني المدن التونسية إلى ما هو أفضل نتمنى لهم الفوز في هذه الانتخابات التشريعية حتى يعلو صوت صفاقس وتتحقق أماني متساكنيها..
بقلم د. محمد الناصر بن عرب