جامعيون يبخسون زميلهم كرسي قرطاج : بقلم الأستاذ حاتم الكسيبي
قيس سعيّد الظاهرة السياسية التي أتت على عدد من الترشحات من داخل أسوار الجامعة التونسية وغيرها من الترشحات الحزبية والتي تحسب على النخبة المثقفة الواعية وهي التي تتبوأ مكانة مرموقة في عوالم السياسة والاعلام والمال. هكذا كان الاختيار في الدور الأول للرئاسية أين تمظهرت التوجهات السياسية والأيديولوجية والاجتماعية والاقتصادية كمحددات أساسية وجوهرية لما اتجه اليه الناخبون المقترعون. ترشحات لم تهمل أي طبقة من طبقات المجتمع فكان منها الجامعي والطبيب والمحامي والمهندس وصاحب الأعمال ومن عامة الناس وغيرهم كثير.
لقد حسم الدور الأول كما نعلم عبر سجال سياسي مفعم بالأيديولوجية والطبقية وحتى الجهوية والفئوية. لم يترك المترشحون وأنصارهم بابا لم يطرقوه ليطالوا النزر الأكبر من الأصوات حتى حسم الأمر بين طرفي نقيض أحدهما صاحب اعمال وآلة إعلامية هائلة وجامعي متقاعد له مصداقية اكتسبها مما يردّده من فصول وقوانين ومشاريع قوانين منذ سنوات. هنا طُرح السؤال: هل يساند الجامعيون زميلهم واستاذهم مهما كانت رتبته واختصاصه فيقفون ناصرين للنفس الأكاديمي بعد عهد ديكتاتوري ساده الجهل وانتقال ديمقراطي جاد بما أمكن لحفظ الوطن واستقراره؟ هل ينقاد الجامعيون نحو العلوم المستنيرة التي يمثّل اتقانها درجة وعي واقتدار قادرة على أن تجمع الناس نحو خدمة الوطن ولا شيء غير الوطن أم تراها تحملهم عبر متاهات الانتماءات السياسية والحزبية والأيديولوجية الى الاستنفار حول رجل الأعمال الذي تهدده تهم الفساد ولتهرب الضريبي والعلاقات المشبوهة مع العميل الصهيوني؟
هذا ما حدث بالضبط مع بعض الجامعيين مرموقي المكانة بين زملائهم فكان الانحياز نحو رجل الأعمال الذي لا نعلم له مؤهلا علميا واحدا ولا ديبلوما من أحد جامعاتنا أو الجامعات المنتثرة في شتى أنحاء العالم. لا يزعج الناس مجرد التصويت فلكل رأيه يبدي به فيختار الأقرب له مبادئا وفكرا ونضالا. لكن المزعج أن تقرأ على مواقع التواصل الاجتماعي ما لا يرقى لمستوى الجامعي فيبخس الرئيس الفائز رتبته التي كان عليها أو يعتبره غريبا عن المجتمع بأحلامه التي يصعب تحقيقها أو يتنبأ بفشله وبالفوضى التي قد تأخذ البلاد الى ما لا يحمد عقباه. هل يعقل هذا؟ كان من الأجدر بهؤلاء على اختلاف رتبهم ومستوى اختصاصهم التفكير العميق في اختيار الشعب الذي قصد الجامعيين لأول مرة وجعل ثقته في رجالات الجامعة التونسية.
لعل الجامعي يسمو عن الدنس الأيديولوجي والحزبي فلا يثبطه على مساندة النفس الجديد للثورة واستدراك مسارها بعد أخطاء جسيمة أبرزها الخنوع للعهد البائد والتلذذ بما يسقط من موائده للنخبة الجامعية. على الجامعي أن يكون مراقبا لمسار جديد اختاره الشباب الذي تعلم على أيديهم فينال رتبة الناصح المصلح لا المفتّن والداعي الى الاحتفاظ بالماضي الذي وصل الى منتهاه ولولا ألطاف الله لكنّا يمنا آخر أو سوريا أخرى.
بقلم الأستاذ حاتم الكسيبي