رسالة إلى شباب صفاقس: عولوا على أنفسكم ولا تنتظروا الأحزاب .. بقلم محمد اليوسفي
مع انطلاق العدّ التنازلي للانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة، تشهد ولاية صفاقس خلال الفترة الأخيرة حراكا سياسيا ومواطنيا بنسق متسارع في ظلّ خيبة أمل في الأحزاب السياسية التي حكمت منذ 2011 بعد أن أخلت بوعودها للجهة على مستوى المشاريع الكبرى المعطلة و الاستحقاقات المطروحة تنمويا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ورياضيا إذ يكفي اليوم إعادة تصفح البرامج والوعود الانتخابية خاصة لنداء تونس وحركة النهضة علاوة عن القرارات والاجراءات التي أعلن عنها رئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد “الزعيم الافتراضي” لحزب تحيا تونس خلال زيارته الشهيرة في أفريل 2017 لكي نتبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود.
عمّقت الأزمات السياسية التي عاشتها البلاد خلال السنوات الماضية نتيجة سوء إدارة الحكم وضحالة أداء النخبة السياسية المتحزبة، الغبن والتهميش التي ورثته ولاية صفاقس بمختلف معتمدياتها عن الحقبة الاستبدادية قبل الثورة. وقد بقيت الجهة مجرد خزّان انتخابي ووقود معارك أيديولوجية عقيمة. اقتصرت علاقة صفاقس بالدولة المركزية مثلما كانت في السابق على المسألة الجبائية وفق العقلية المخزنية القديمة التي يصرّ أصحابها على عدم استيعاب وفهم المتغيرات التي شهدتها البلاد والجهة منذ الثورة وكأنّ عقارب ساعة التاريخ بالنسبة لهم ظلّت تدور إلى الخلف.
على نقيض من هذا المشهد السوداوي والذي يتجلى خاصة في المزاج العام الانتخابي بالجهة، هناك مجتمع آخر داخل نفس المجتمع ينافح من أجل افتكاك حقوق الجهة. شباب لم يتلطخ بأدران الأحزاب ولا في مستنقع الأيديولوجيات المتكلّسة التي تجاوزتها الأحداث. شباب شكلّ النواة الصلبة لمجتمع مدني مازال يقاوم من أجل صفاقس أخرى “مزيانة” بلا تلوث متصالحة مع شريطها الساحلي وعمقها الحضاري. صفاقس تنبض حياة وكدّا وعملا وعيشا كريما لكي لا يجبر أبناؤها على الهجرة غير النظامية في قوارب الموت أو مغادرة البلاد بصيغ قانونية بحثا عن دول ومؤسسات تحتضن الطموحات وتدعم الكفاءات وتعلي من مكانة الأدمغة والعلماء في شتى القطاعات والمجالات.
يمكن اعتبار هذا التحوّل الاجتماعي والجيلي والثقافي الذي تشهده ولاية صفاقس خلال السنوات الأخيرة بارقة أمل في إمكانية فتح آفاق مستقبلية جديدة أرحب من شأنها تغيير وجهة المسار السياسي للجهة وللخروج بها من بوتقة البؤس والاجحاف المسلط عليها بإرادات تدبّر بليل لغاية في نفس يعقوب يعلم خلفياتها القاصي والداني .
غير أنّ ما نلاحظه اليوم قبيل الموعد الانتخابي المرتقب، هو وجود محاولات للسطو على رأس المال الرمزي الذي راكمه المجتمع المدني منذ 2011 . تسعى عديد الأحزاب وبعض لوبيات الفساد ومشاريع التحيّل السياسي بمختلف الطرق إلى استقطاب شباب من المجتمع المدني من أجل تزويق قائماتها الانتخابية والقفز على مخلفات حصيلة فشلها في تحقيق الحدّ الأدنى من الانتظارات الشعبية بغية الحيلولة دون فسح المجال لمحاسبتها ومعاقبتها، معتقدة أنّ في ذلك حيلة يمكن أن تنطلي على أصحاب الذاكرة المثقوبة. الأخطر من كلّ هذا هو عودة بعض الوجوه من “الحرس القديم” الذي ليس بمنأى عن مسؤولية تهميش الجهة تاريخيا منذ فترة حكم الرئيس بن علي وحزب التجمع سيء الذكر والذي تروم تعبيراته السياسية والحزبية تأليب الرأي العام والمواطنين بخطاب شعبوي فاشي الهدف منه تحويل وجهة النقاش الانتخابي إلى معارك جانبية بعيدة كلّ البعد عن حاجيات الجهة من الناحية البرامجية العقلانية.
إزاء هذه المفارقات والتناقضات ، آن الأوان لكي تعولوا على أنفسكم فلا تنتظروا الأحزاب التي خذلت الجهة وأساءت إدارة شؤون البلاد والعباد. إنّ المسؤولية المواطنية ستكون تاريخية خلال المحطة الانتخابية القادمة فالجلوس على الربوة لن يجدي نفعا والسقوط في مطب العدميّة سيزيد الأمر تعقيدا. فقد برزت عند شباب صفاقس منذ الفترة الاستعمارية رغبة في الثورة على القديم، أفلم يتحدث أحد قضاة الجهة في بداية القرن العشرين عن “فساد الوقت وتغير الأحوال”؟.(مقولة أوردها المؤرخ عبد الواحد المكني في كتابه “الأصل والفصل في تاريخ عائلات صفاقس”،منشورات دار محمد علي الحامي2016)
نعم صفاقس أخرى ممكنة طالما أنّ الإرادة الشبابية والمدنية قادرة على تحويل الحلم إلى حقيقة ولو بعد حين، فلا تفوتوا الفرصة ولا تتركوا الجهة تلدغ من جحر الأحزاب الفاشلة واللوبيات الفاسدة مرتين.
بقلم محمد اليوسفي : صحفي وناشط بالمجتمع المدني