القراء يكتبون : في الجامعة، غاب الامتحان و حضر الاحتقان .. بقلم الاستاذ حاتم الكسيبي
تتعطل الامتحانات بعدد من أجزاء جامعتنا و بقية الجامعات و يبقى الطلبة مشدوهين ينتظرون بصيص أمل قد يصدر عن الطرف الوزاري أو النقابي لحلحلة وضع غريب عن الجامعة، اذ احتفظ الامتحان بقدسية منذ انبعاثها فاحترمه على حدّ السواء الطالب والاستاذ والادارة والوزارة و كافة الأطراف المتدخلة.
دفعتني الأحداث الى استحضار ما كان يحدث ايام الدكتاتورية حيث كانت الجامعة معسكرة و كانت عيون المخبرين منتشرة في شتى أرجاء الكليات والمعاهد العليا. يومها، كانت تحمل الوشاية بالطالب على عجل وبالأستاذ بسرعة البرق.
لقد شهدت سنوات الثمانيات و أوائل التسعينات أحداثا مؤلمة امتزج فيها الايقاف والسجن بالنفي والتجنيد للطلبة فكانت الاقتحامات و كان سيلان الدموع و كان أيضا الرصاص الحي. و لقد نال الأساتذة آنذاك نصيبا لا بأس به من المراقبة و الاعتقال و روّعوا ترويعا شديدا كلما تعلق الأمر بنشاط سياسي أو نقابي.
أذكر يوما أننا حضرنا لاجتياز امتحان مادّة ما وكلنا يقين أنّنا لن نختبر، فأستاذنا ملاحق و لا يكاد يظهر الا كهلال أول الشهر بعد اندلاع حرب الخليج الأولى. وعند دخول القاعة فوجئنا بورقة الامتحان قد أعدّها وأوصلها للإدارة بطريقة ما، فتعجبنا من حرصه على مصلحتنا و اكتمال تكويننا فشكرنا سعيه ذلك.
كان ذلك في وقت الدكتاتورية التي نعيبها اليوم و لكننا نمارس أفعالها بألوان الحرية المزعومة فنرتهن الأساتذة ونرتهن الطلبة و نغمض أعيننا فلا نرى جيلا من الشباب قد يصيبه اليأس في أي لحظة وقد يفقد الأمل فيترك الجامعة و ربما البلاد.
من سيحل هذه الأزمة اذن ؟ وزارة متنطعة تصدر القرارات جزافا و تعمد الى تجميد الأجور ثم تستدرك فعلها أم أساتذة يتنكرون لقدسية الامتحان و لا يعتبرون لخطوط حمراء سطرها الزمان والمكان و العرف والقانون. لعل في جامعاتنا عقلاء قادرون لرأب الصدع و حلحلة الوضع بعيدا عن المزايدات والمناكفة فهذا وطن بأسره يتجرد مما غنمه بعد جهد دام لعقود و قد شارك في ذلك أعلام للجامعة التونسية نفتخر بهم و يفتخر بهم العالم بأسره.
بقلم الاستاذ حاتم الكسيبي، المعهد التحضيري للدراسات الهندسية بصفاقس