تونس نحو إقتصاد حرب خلال 2020 و 2021 بقلم أنيس الجزيري
أزمة الكورونا يمكن أن تأخذ أكثر وقت مما كنا نتصور، هذا ما أكدته بعض الدراسات العلمية الأخيرة، و إذا أضفنا لذلك تطوير لقاح جديد ضد هذا الوباء سيتطلب سنة على أقل تقدير و ممكن سنتين، هذا يعني أن الحجر الصحي الشامل سيكون أطول و حتى لو وقع تخفيفه، فالعودة ستكون تدريجية و إمكانية عودة انتشار الوباء في الخريف القادم واردة، مما سينجر عنه حجر صحي شامل بالتناوب مع فترات حجر صحي جزئي أو عودة للنشاط العادي،
هذا السيناريو المطروح بقوة الآن يعني أن الإقتصاد العالمي سيمر بفترة ركود عميقة لمدة سنتين 2020 و 2021، و تداعياتها ستشمل التجارة الدولية التي ستشهد تراجع غير مسبوق بنسبة 32% خلال هاته السنة، حسب آخر تصريح لأمين عام منظمة التجارة العالمية، و انخفاض رهيب للرحلات الجوية حول العالم مما سيسبب إفلاس العديد من الخطوط الجوية العالمية و إنهيار قطاع السياحة و تخفيض كبير في صناعات السيارات و غيرها من القطاعات التي ستتأثر مباشرة أو بطريقة غير مباشرة بهذه الأزمة العالمية،
في ظل هذا الوضع الاستثنائي و سيناريو طول الازمة، الحكومة مطالبة بالإعداد للمرور نحو إقتصاد حرب على المدى القصير، مما يعني تحويل عدد من القطاعات الى مستلزمات الحرب على الوباء و تغيير كلي في ميزانية الدولة و اخذ إجراءات أقوى و أسرع، نذكر منها :
- تأمين الأساسيات للشعب التونسي من صحة و أدوية و غذاء و ماء و طاقة….
- التحكم في مصاريف الدولة و الضغط على جميع الكماليات،
- تحويل جزء من ميزانيات وزارات إلى وزارات أخرى، تعنى بمتطلبات أساسية للشعب التونسي،
- تقسيم موارد الدولة على قلتها بين كافة الشعب التونسي سواسية و توظيفها أحسن توظيف،
- توريد المواد الأساسية و التخلي عن الكماليات، بما يمكن من الحد من عجز الميزان التجاري و عجز الحساب الجاري، خاصة و أن مداخيل العملة الصعبة من السياحة ستكون شبه منعدمة خلال سنة 2020،
- تحويل بعض الصناعات إلى منتوجات جديدة، تتماشى مع متطلبات الحرب على الوباء،
- إطلاق التعليم عن بعد في أقرب وقت و تسخير كل الإمكانيات لتفعيله،
- التركيز على المشاريع التي تتطلب يد عاملة و تمويل صغير،
- تمكين بعض المصانع المصدرة كليا لبيع جزء من منتوجها على السوق المحلية،
خلال الحرب العالمية الثانية التجأت بعض البلدان للدفاع عن نفسها من العدوان النازي لتحويل صناعاتها الثقيلة إلى صناعات لإنتاج الأسلحة، و مصانع السيارات إلى إنتاج الدبابات و الشاحنات العسكرية، و مصانع الفولاذ إلى إنتاج القنابل،
صحيح ما نعيشه حاليا ليست حرب تقليدية و إنما حرب ضد وباء عالمي، الشبه بين الحربين هي القدرة الفائقة على تدمير الإقتصاد و ما تتطلبه من تاقلم مع الأوضاع لإنقاذ شعوب بأسرها،
لتوضيح هذا التمشي نطرح بعض الأفكار و المقترحات لتحويل على المدى القصير عدد من الصناعات أو الخدمات بما يمكن من المحافظة على النسيج الاقتصادي :
- الفلاحة و الأمن الغذائي : أكبر قطاع باستطاعته تشغيل الشباب و محاولة استغلال كل الأراضي الخصبة الدولية و الخاصة مع التحكم في مخزون الموارد المائية، بما يمكّن من تأمين الحاجيات الغذائية للشعب التونسي لسنة 2020 و 2021 و تقليص التوريد إلى الصفر إن أمكن،
- الصناعيين في قطاع النسيج مطالبين بتحويل انتاجهم لصناعة الأقنعة و عدد من المستلزمات الصحية وفق الشروط الطبية التي تم تحديدها،
- تعتبر صناعة الادوية في تونس رائدة، حيث ان 75% من استهلاك الأدوية يقع تصنيعها محليا، يجب زيادة الانتاج و تطوير أكثر أدوية جنيسة (médicaments génériques)، بما يمكّن تونس من بلوغ الاكتفاء الذاتي و التصدير إن أمكن ذلك،
- التعليم و التكوين المهني عن بعد، و تطوير تطبيقات إلكترونية في اقرب وقت، و نحتاج في هذا الإطار لصناعة آلاف الحواسيب، محلية الصنع، بما يمكن التلاميذ من متابعة دروسهم عن بعد،
- النقل: تحويل طائرات المسافرين إلى طائرات شحن للبضائع،
- الإعلامية و البرمجيات و تطوير التطبيقات الإلكترونية للإدارة و البنوك و المؤسسات و المنظمات، بما يمكن من إسداء الخدمات عن بعد، هذا القطاع باستطاعته تشغيل آلاف الشباب على المدى القصير،
- الأشغال العامة و المباني و صناعة مواد البناء: إطلاق عدد من المشاريع لبناء مستشفيات و خاصة عدد من المساكن الاجتماعية و ترميم المدارس و المعاهد و الكليات، وقف المشاريع الكبرى و الأشغال العامة التي تطلب ميزانية كبيرة و التركيز على المشاريع الصغيرة ( على سبيل المثال : ليس لنا الإمكانيات و التمويل اللازم في الوقت الراهن لإستكمال الطرقات السيارة المبرمجة، و يمكن تعويض هذا بصيانة الطرقات الموجودة حاليا و التي تفي بالحاجة كشبكة طرقات تربط بين كل المدن التونسية، و تطلب يد عاملة لصيانتها)،
- السياحة و المطاعم و الصناعات التقليدية: تركيز كلي هاته الصائفة على السياحة الداخلية بتخفيض الأسعار و إحترام للإجراءات الصحية، مع العمل على استقطاب السيّاح الجزائريين، و تحويل بعض النزل إلى مستشفيات ظرفية لو لا قدر الله تفشى الوباء،
- أهم قطاع وجب تطويره في هاته الظروف التي شلت حركة المواطنين هو قطاع التجارة الإلكترونية و شركات التوزيع، بالإمكان إطلاق مئات المنصات للتجارة الالكترونية و عشرات المؤسسات للتوزيع في كافة أرجاء الوطن،
- من أكبر المتضررين الشركات التي تنظم المعارض و الملتقيات و الندوات و غيرها، بعد أن وقع إلغاء أغلب التظاهرات في 2020، بإمكان هاته الشركات تنظيم معارض دولية افتراضية، ندوات افتراضية…
- الإقتصاد التضامني و الجمعيات بإمكانها أن تلعب دور ريادي في هاته الفترة الحرجة و تكون همزة الوصل بين من لديه الإمكانيات و من يحتاج المساعدة، و هذا في إطار شراكة متميزة بين القطاع العام و الخاص و المجتمع المدني، يمكن تشغيل آلاف من الشباب بتاطير من وزارة التشغيل و التكوين المهني و وزارة الشؤون الاجتماعية،
- قطاع الثقافة كذلك من ضحايا الأزمة و تطوير العروض الافتراضية المسرحية و الموسيقى و الرقص و غيرها، يمكن أن يملأ الفراغ على المدى القصير و لنا في نجاح سهرات نرمين صفر أحسن مثال !
هذه عدد من الاقتراحات في بعض القطاعات و يمكن استنباط أفكار و خلق مشاريع و إبتكار خدمات و تطوير منتوجات جديدة في القطاعات الأخرى بما يمكن من تحويل نشاطها و خلق نشاط جديد على المدى القصير و المحافظة على ديمومة المؤسسة خلال الأشهر القادمة،
يجب التأكيد على أن عدد من الخدمات عن بعد المقترحة و النشاطات الافتراضية، يتطلب تركيز البنوك الافتراضية و التقنيات الناشئة مثل بلوك تشين و تقنيات الدفع المباشر بالعملة الافتراضية و تطوير المصرفية عبر الهاتف المحمول و غيرها من التقنيات التي تمكن من تسهيل العمليات المالية من دفع مستحقات الخدمات المسدات أو البضائع المشترات عن بعد،
شعار 2020 يجب أن يكون : أنتج تونسي، استهلك تونسي، البس تونسي، كول تونسي، داوي تونسي و تفرهد تونسي …
نحن في حالة حرب حقيقية و يجب أن تكون الإجابة بقوة و عمق و حجم الأزمة، بأفكار جديدة خارج الإطار التقليدي Think out of the box،
مشروع قانون الطوارىء الاقتصادي في رفوف مجلس النواب لم يعد يفي بالحاجة، نحن بحاجة لقوانين حرب إقتصادية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه و التحضير لما بعد الحرب و إعادة البناء على أسس صلبة،
أنيس الجزيري