اميرة بوزيد باحثة في الاقتصاد الرقمي : “لابد من التحرك سريعا حتى لا ترهبنا غيمة الرقمنة “
يسيطر على عالمنا اليوم العملاق المسمى بالرقمنة و تكنولوجيا المعلومات و الذكاء الاصطناعي الذي أصبح محركا للاقتصاد العالمي حيث اكتسح جل القطاعات بما فيها التعليمية و الصحية و الفلاحية و الصناعية و غيرها في بادرة منه لتطوير مستوى عيش الإنسان و إذ به اليوم يتحول إلى عامل قوة تتباهى به الدول العظمى الصانعة له إذ أصبح محور المنافسة بين هذه الدول و عامل سيطرة على الدول النامية و الغير منتجة للتكنولوجيا الحديثة.
احدث هذا التغيير ثورة اقتصادية و اجتماعية عالمية ألت إلى نسب نمو هامة و خلق مواطن شغل و اختصاصات جديدة سواءا في الدول المتقدمة الساهرة على تطوير البرمجيات و التطبيقات و الروبوت أو في الدول الناشئة الناشطة في تطوير أجهزة التكنولوجيا الحديثة.
أصبحت التكنولوجيا الحديثة و الانترنات و استعمال الروبوت جزء لا يتجزأ من النظام العالمي الجديد بفرضها لثقافة جديدة على المستهلك إضافة إلى قاموس جديد من المصطلحات مما جعله في سباق متواصل لاقتناء احدث الأجهزة و التطبيقات الحديثة و هو ما دفع الشركات المنتجة إلى للابتكار و التجديد في الذكاء الاصطناعي و تقنيات الرقمنة.
لكن الدول النامية تنأى عن مواكبة هذا التغيير فمنهم من يقتصر على الاستهلاك و منهم ما يجهل هذا العالم و ما يدور حوله و ذلك لغياب التمويل الكافي لتبني عملية الرقمنة و الموارد البشرية ذات الخبرات المطلوبة الملزمة بتاطيرها على غرار ضعف نسبة وعي الحكومات و المجتمع و ندرة البحث العلمي الذي يعتبر العامل الأساسي في دفع عجلة تطور هذا المجال.
قد راق لدولتنا في الفترة الأخيرة مواكبة بهرج الرقمنة في مؤسساتها العمومية و احتار المواطن في غوغاء التطبيقات المحملة على الهواتف الذكية لتتحول التكنولوجيا لنعمة على الطبقة الميسورة و المثقفة و لنقمة على الطبقة الهشة ذات الإمكانيات المحدودة. تتطور الرقمنة في تونس بنسق متصاعد ولا محدود متناسية معضلة الفجوة الرقمية و غياب العدالة الاجتماعية حيث يفتقر نسبة هامة من مواطني المناطق الداخلية للهواتف الذكية و لسبل التوصل للشبة العنكبوتية مما يجعل في ذلك حاجزا اساسيا أمام إدماج جميع فئات الشعب في عملية الرقمنة.
نرى اليوم أن معظم معاملات المواطن تتحول شيئا فشيئا إلى الرقمنة و المثال الأشهر الذي دخل معظم العائلات التونسية هو دفع معلوم تسجيل تلاميذ المدارس و المعاهد عن بعد و هو ما خلق موجة من التساؤلات لدى الأولياء و حالة من الفوضى داخل مراكز البريد و عجزا تاما على انجاز هذي العملية في بعض المناطق الريفية حيث يعود ذلك لغياب استراتيجيا توافقية في عمل الوزارات في حكوماتنا المتعاقبة.
يبقى التحدي الأول المفروض على الدولة أن تقييمه هو البنية التحتية المتهرئة في مجال التكنولوجيا الحديثة و جهل سبل العمل بها من قبل المواطنين و انعدام ثقتهم بالمواقع الغير محمية . إذا على الدولة الدفع نحو المزيد من الاستثمار و الدعم في مجال التكنولوجيا من خلال العمل المنسجم و التوافقي بين الوزارات و التشجيع على الشراكة بين القطاع العام و الخاص لضمان كسب ثمار تكنولوجيا الاتصال على البلاد و تعزيز ثقة المواطن بها و إقناع الصناعيين بالانضمام إلى موكب الثورة الصناعية الرابعة مما يدفع إلى تحسين نسبة النمو الاقتصادي في ظل الأزمة الاقتصادية الحرجة التي تمر بها البلاد حيث إننا في أمس الحاجة لحلول حديثة و استبعاد الحلول التقليدية التي أثبتت فشلها في حل الأزمة.
لابد أن ينبع حل أزمة تونس الاقتصادية من داخل البلاد وليس من خارجها إذ أثبتت القروض و الهبات الخارجية عدم جدواها في مواجهة الأزمة.
تستحوذ البلاد التونسية على نسبة هامة من الكفاءات التي أثبتت جدارتها في داخل البلاد و خارجها و تبحث عن من يستنزف طاقاتها المعرفية و العلمية للنهوض بالبلاد و خاصة في قطاع التطور التكنولوجي باحثين على مزيد من الدعم و التأطير من الدولة ليطلقوا جماحهم نحو التغيير لا سيما أن الرقمنة و تكنولوجيا الاتصال باتت مؤثرتا على شتى المجالات بما فيه المشهد السياسي داخل البلاد.
أثبتت الرقمنة و تكنولوجيا الاتصال دورها الفعال في مجابهة فيروس كورونا المستجد إذ ساهمت بشكل كبير في سير عمل المؤسسات عن بعد في فترة الحجر الصحي كما رأينا كذلك توظيف الروبوت في تتبع إجراءات حظر الجولان، و هو ما زرع في عقول شبابنا الصاعد روح المبادرة و استثمار المزيد من الجهد لتطوير هذا المجال قصد الاستفادة من مميزاته و هذا لا يكون إلا بمزيد نشر ثقافة الاعتماد على الانترنات في الأسلوب المعيشي و تسهيل إمكانية استعمالها لدى المواطنين التونسيين إضافتا لدعم البحث العلمي و تاطير الطلبة و تكوينهم حتى لا تتحول التكنولوجيا إلى غيمة مرهبة و صعبة المنال.
اميرة بوزيد : باحثة في الاقتصاد الرقمي بكلية العلوم الاقتصادية و التصرف بصفاقس