الجماهير الرياضية في صفاقس تودع نجمها حمادي العقربي بحرقة العشاق وعرفان المحبين الأوفياء
بمشاعر امتزج فيها الحزن العميق والحسرة والأسى بالمحبة الخالصة والعرفان بالجميل، شيعت الجماهير الرياضية وأحباء الجلد المدور في صفاقس وتونس عموما اليوم السبت جثمان الراحل حمادي العقربي نجم كرة القدم التونسية وأحد أبطال ملحمة كأس العالم بالأرجنتين 78 إلى مثواه الأخير بمقبرة الشعري بطريق تونس في مدينة صفاقس حيث يرقد عدد من رموز الجهة وأبنائها الذين طبعوا مسيرتها في مجالات عدة واقترن تاريخها بأسمائهم وعطائهم لها وللوطن عموما.
لم تثن مخاوف الإصابة بعدوى وباء “كورونا” الأعداد الكبيرة من الجماهير الرياضية وأحباء ساحر الأجيال من أبناء النادي الرياضي الصفاقسي الفريق الذي نشأ فيه الراحل ومن رفاقه في المنتخب وحتى من أحباء الفرق الرياضية الأخرى عن الحضور في موكب التعزية والتأبين بملعب الطيب المهيري بصفاقس وإلقاء نظرة الوداع الأخير على من أسعدهم وأمتعهم بأهدافه ولمساته ولوحاته الفنية وبأخلاقه الرياضية الرفيعة النادرة على امتداد فترة من الزمن، فترة الزمن الجميل والرياضة للرياضة والكرة للكرة والروح الرياضية العالية.
محبون وأوفياء من كل الألوان
موكب العزاء الذي انطلق من مسكن الفقيد إلى ملعب الطيب المهيري فمقبرة الشعري كان موكب عرفان بالجميل تداعى إليه بكل حب وتلقائية نجوم من جيل العقربي أمثال رفيق دربه في النادي الصفاقسي والمنتخب ورئيس جمعية قدماء اللاعبين بالنادي الصفاقسي المختار ذويب ونجوم ملحمة الأرجنتين نجيب غميض ومحسن الجندوبي وتميم الحزامي وعلي الكعبي ولاعبين آخرين مثل حارس الشبيبة جمال طياش والمنصف وادة وعلي رتيمة ولطفي الصنهاجي ورئيس النجم الساحلي السابق عثمان جنيح وحسين جنيح ورؤوف النجار والمدرب عبد المجيد الشتالي الذي لم يفوت الفرصة دون أن يثني على الخصال الكروية للعقربي وما يتمتع به من إمكانيات كبيرة بدت جلية قبل الذهاب إلى كأس العالم وفي فترة التصفيات.
كما حضر في لقاء الوداع الأخير جمع من اللاعبين والرياضيين في صفاقس من أجيال متعاقبة ورؤساء ومسؤولون تداولوا على رئاسة النادي الصفاقسي وسياسيون وإعلاميون من صفاقس وخارجها فضلا عن عدد من الوزراء ورؤساء الأحزاب والهياكل المهنية والمؤسسات الاقتصادية والجمعيات.
ملعب رادس “ملعب حمادي العقربي”.
رئيس حكومة تصريف الأعمال إلياس الفخفاخ أعلن في كلمة تأبينية عدّد فيها مناقب الراحل العقربي أنه قرّر تسمية ملعب الأولمبي برادس “ملعب حمادي العقربي” كلمسة وفاء لهذا اللاعب الذي أحبه الجميع في تونس بدون استثناء من بنزرت إلى بنقردان ويكنّ له الكل الودّ والتقدير” بحسب تعبيره.
وقال الفخفاخ إن فقيد الرياضة التونسية كان صاحب مروءة وحياء وطيب معشر وحيّا “سمو الروح الرياضية فيه والنبل والتعالي عن السفاسف والمهاترات وهي قيم نهلها من معين مدرسة النادي الصفاقسي العريقة”.
واعتبر أن أسطورة كرة القدم التونسية راكم مسيرة 26 سنة كاملة من العطاء حقق فيها الفقيد عديد البطولات والملاحم تحت راية النادي الصفاقسي والمنتخب الوطني وصار بفضلها وجها من وجوه الرياضة وتونس عموما داعيا إلى أن تكون مسيرته التي جسد فيها قيم الرياضة والقيم الإنسانية والوطنية نبراسا للأجيال الجديدة من الرياضيين.
كلمة تأبينية كان لرئيس النادي الرياضي الصفاقسي قسط في خطها وتلاوتها باسم النادي على الجماهير التي تدفقت على الملعب ورددت أهازيج الماضي “حمادي حمادي”.
تداعي الذكريات
“حمادي الأسطورة حمادي الأخلاق حمادي التربية حمادي ساحر الأجيال غادرنا ولن نوفيه حقه مهما فعلنا”، بهذه الكلمات عبر مختار ذويب عن عمق الحزن الذي سكن أحشاءه بعد سماع خبر وفاة رفيق دربه داعيا إلى ضرورة أن تنجز الدولة حلم المدينة الرياضية في صفاقس وتطلق عليها اسم العقربي.
أما اللاعب محسن الجندوبي فقد اعتبر أن حضور عدد كبير من اللاعبين القدامى من أجيال رياضية متعاقبة وتنقلهم الى صفاقس لتقديم واجب العزاء لأسرة حمادي العقربي هي رسالة للجيل الجديد من الرياضيين حتى يدركوا أن الرأس المال الحقيقي للاعب والرياضي بشكل عام هي أخلاقه لأن هذا ما يبقى في الأخير.
“حمادي مدرسة بأتم معنى الكلمة تعلمت منها أنا ومن أتى معي من اللاعبين من الجيل الذي أنتمي إليهن المعاني الحقيقية لحب الجمعية والصبر والعمل في صمت، رحمه الله. أعزي نفسي وكل التونسيين في فقدانه ” بهذه الكلمات عبر اللاعب الدولي السابق هيكل قمامدية عن شعوره إزاء فاجعة رحيل العقربي.
أما الحارس السابق لفريق شبيبة القيروان جمال طياش لم ينس ذلك الهدف الذي باغته به العقربي بتسديدة من منتصف الملعب أسكن فيها الكرة شباكه. وعن سؤال حول ما إذا كان مع قرار الحكم إلغاء الهدف أجاب قائلا: “في الحقيقة وقت المباراة فرحت لعدم احتسابه ولكن بعدها تمنيت لو احتسبه الحكم لأنه ببساطة هدف رائع حتى إن إحدى القنوات الإيطالية بثته وفي النهاية هو زاد من شهرتي أنا أيضا في ذلك الوقت”.
بدوره عبر المسير السابق بالنادي الصفاقسي ووزير الرياضة الأسبق الدكتور محمد علولو عن حزنه العميق لرحيل حمادي قائلا: “ترك رحيل حمادي العقربي في قلوبنا وجعا كبيرا بقدر حبنا اللامتناهي له، سيبقى هذا العملاق حيا في ذاكرة أحباء فريقه النادي الصفاقسي وجهته والمحبين لكرة القدم في كامل البلاد والعارفين المميزين لأسرارها. سلام لروح الفنان الكبير صاحب الخصال الإنسانية النادرة وأصدق التعازي والمواساة لعائلته، لزوجته وأبنائه”.
أمجاد وإبداعات محفورة في الذاكرة
جماهير الرياضة وأحباء العقربي كانوا وهم يودعونه الوداع الأخير بعد أن فتك به المرض يستحضرون إبداعاته مع النادي الصفاقسي والمنتخب الوطني ويسردون قصصا وبطولات لا يمكن أن ينسجها إلا رياضي فذ من طينة خاصة اكتسب لقب ساحر الأجيال وأسطورة الكرة التونسية عن جدارة واستحقاق. الكل كان يستحضر لحظات رفعه بطولات تونس مع فرقه النادي الصفاقسي في 71 و78 و83 والكأس في 71 وحصوله على الحذاء الذهبي في 74/75 ومراوغاته التي لا تمحى من الذاكرة وأهدافه الجميلة ولا سيما هدفه الذي رفض الحكم احتسابه ذات لقاء مع شبيبة القيروان من خط وسط الميدان وحكايات عن ثنائيات شيقة ومثيرة مع مدافعي وحراس الفرق المنافسة الذين كانوا يهابونه ويخشون مراوغاته وتصويباته..
تداعي الذاكرة لدى محبيه من الجيل الذي عاصروه واستمتعوا بأدائه في المقابلات وحصص التمارين جعلهم يبدون متيمين كما لم يكونوا من قبل بأناقته على الميدان التي لا مثيل لها وكذا أخلاقه فوق المستطيل الأخضر وخارجه بما صنع منه نموذجا متفردا لم تنجب الكرة في تونس بمثله على حد اعتقاد العديد من الرياضيين خاصة منهم الذين احتكوا به وعاصروا فترة أدائه الرياضي وأحبوا فيه اللاعب الموهوب والخجول الذي يحسن الكلام والتواصل والتعبير فقط عندما يداعب الكرة.
وكانت وكالة تونس إفريقيا للأنباء بادرت بتكريم النجم السابق للنادي الصفاقسي والمنتخب التونسي ساحر لأجيال حمادي العقربي خلال الحفل السنوي لأفضل الرياضيين التونسيين لعام 2017 وقد تسلم درع التكريم آنذاك أحد أفراد عائلته حيث تعذر على المحتفى به الحضور لأسباب صحية.
لم تكن عبارة ساحر الأجيال غير ذات معنى في موكب العزاء حيث جسمها كأبهى ما يكون قطاع واسع من أحباء النادي الصفاقسي من فئة الشباب الذين أحبوا العقربي كما لم يحبوا أي لاعب من قبله رغم أنهم لم يدركوا فترة لعبه وإبداعاته وصولاته وجولاته في كل ملاعب الجمهورية حيث كان مهابا ومرحبا به في أوساط الجماهير المنافسة قبل أحباء فريقه. “أنا حزين لأني لم أكن من الذين أسعفهم الحظ ومتعوا النظر بلعبه لأنني كنت صغيرا جدا عندما اعتزل المعلم الميادين ولم يسعفني الحظ لألتقي به مباشرة”، هكذا عبر الشاب الثلاثيني أمين الرباعي عن تأثره بموت العقربي قبل أن يضيف “ليتني التقيته والتقطت صورة معه قبل أن يغادرنا”.
تحرير محمد سامي الكشو / مكتب وات بصفاقس