القراء يكتبون : رسالة من مواطن عادي وبسيط إلى السيّد رئيس بلدية صفاقس
للأسف أنّ بعد سنتين من تنصيبك كانت أوّل رسالة تصدرها لسكّان المدينة تحمل تهديدا ووعيدا لكلّ من يحاول انتقادك على المواقع الاجتماعية بل كمواطن كنت أنتظر منك أن تقيّم لنا ولو بإيجاز تلك الفترة وما قمتم به من عمل بلدي يستهدف المدينة وسكّانها .
لست في وضع لأذكّرك بما قاله رئيس حزبك نحن نمارس الديمقراطية وهذا حقّ ضمّنه الدستور التونسي لأنّ الشعب الذي هرول لصناديق الاقتراع لانتخاب من ينوبه في السلطة هو الشعب الذي يحقّ له طلب المحاسبة . لست في وضع لأذكّرك” بالرئيس شيراك عندما كان رئيس بلدية باريس يترجّل صباحا من شقّته ويختلط بعموم المواطنين ويتحاور معهم قبل الذهاب لمكتبه وعندما سئل لمّا كان رئيسا للجمهورية عن حياته السياسية الطويلة اعتبر أنّ أصعب مراحل العمل هو الإشراف على سير البلدية مضيفا في قوله أنّه لا خيار لك لمّا تقيم وتتقاسم الحياة مع بقية الناس ولديهم نفس الشواغل سوى أن تثبت لهم صدق وعودك الانتخابية باختصار أنهم حولك جميعا ” ولست في وضع لأذكّرك برئيس بلدية مدينة روما ” فرجينا رادجي ” الشابّة عندما رفضت اقتراح أن تكون روما عاصمة للألعاب الأولمبية سنة 22 رغم الشرف الذي سينال المدينة والاعتمادات الكبرى المخصّصة لهذه التظاهرة وفي ندوة صحفية ذكرت أنّ سكّان مدينة روما لديهم شواغل عاجلة كمشكلة صرف المياه الصحّي والنقل والتلوّث وهذا في نظري يتطلّب الانكباب على معالجتها أهمّ من اقامة هذه التظاهرة ” وساندها السكّان بقوّة رغم معارضة العديد.
السيّد رئيس بلدية صفاقس الكلّ يدرك إلى أيّ وضع وصلت إليه الحياة اليومية وسط المدينة والكلّ يدرك أنّ الملفّات متراكمة والوضع يزداد تعقيدا في هذه المدينة فمشاكل القمامة والمصبّات لا تستدعي حلولا مؤقتّة بل هذا المجال يستدعي وضع دراسة متكاملة والبحث عن حلولا تنهي معاناة السكّان ومثال التهيئة العمرانية أفرز تكاثر البناءات العمودية وسط المدينة وبالطرقات التي تحيط بها وساهم في الاختناق المروري وانتشار الورشات الصناعية وسط مناطق مكتظّة بالسكّان وعدم فرض وجود فضاءات مفتوحة بينها أو مساحات وقوافل الانتصاب الفوضوي اغتالت نصف الطرقات سواء كانت ثابتة أو متنقلّة بالشاحنات و المقاهي المنتشرة وغالبا ما تكون مساحتها الخارجية على الرصيف تفوق مساحتها الداخلية أضعافا .
السيّد رئيس بلدية صفاقس هل تدرك أنّ أسطول سيّارات ” التاكسي ” يتجاوز 3000 عربة وهل تدرك أنّ أكثر من نصفه في حالة يرثى لها فهذه السيارات هل هي خاضعة لشروط النقل الجماعي الولاية الوحيدة بتونس الذي تتجوّل في طرقاتها هذه العربات بتلك المظهر المزري فهل لاحظتم ذروة الاختناق بقاصّة مجيدة بوليلة وبقيّة الطرقات وهل لاحظتم كيف أنّ الشاحنات الثقيلة خلال اليوم تساهم في “البلوكاج” التام لحركة المرور أوقات الذروة أليس بقدرتكم الانكباب على وجود بعض الحلول للحدّ من هذا الاختناق ؟
سيدنا شيخ المدينة هل يعقل أن يقوم ديوان التطهير بصبّ مياه الصرف الصحّي في شاطئ سيدي منصور دون تطهيرها؟ وهل يعقل أن تبقى بعض المناطق والاحياء الشعبية غارقة في الماء اثر كلّ الأمطار ؟ كفاية من الترقيع الذي امتدّ عقودا من الزمن لديكم المهندسين والتقنيين الذين باستطاعتهم وضع الدراسات لإنهاء معاناة سكّان هذه الأحياء .
واعتبار التراث هو الحاضنة التاريخيّة للشعب فلقد تسارعت في الفترة الأخيرة أحداث مؤسفة لعمليات تدنيس وتخريب للتراث المادي لصفاقس سواء عن قصد أو غير قصد أو بسبب غياب الصيانة والترميم وفي كلتا الحالتين دلالة على أن التراث والمعالم في صفاقس تعاني أشد المعانات من الإهمال قد يوحي بكونه تدمير منهجي وبطيء لكل ماهو قيّم ونفيس وذا قيمة في مدينة صفاقس. ومن هذه الأحداث :
- غلق متحف الجلولي وعمليات التكسير الفضيعة التي مست جدرانه الداخلية بشكل لا يوحي على الترميم الجدي
- سقوط مئذنة أحد صوامع عمارة بن رمضان التاريخية
- انهيار المدرسة الحسينية بالمدينة العتيقة ” مدرسة الرحبة “
- تكرر عمليات الحرق قرب السور
- عدم استعادة ساحة القصبة والسيطرة على الانتصاب الفوضوي بها
- توقّف الأشغال بالمشروع الكارثي المكتبة الرقمية
سيدنا رئيس بلدية صفاقس ربّما العمل البلدي يختلف تماما مع العمل السياسي وطبعا هذا يتجلّى من خلال أن يعبّر المترشّح عن ارادته ورغبته لهذه الخطّة وليس هديّة او اقتراحا من أحد الأحزاب السياسية فان فقدت هذه الرغبة والحماس من أجل الإقلاع بالمدينة والإنصات لشواغل الناس والعمل المسترسل والمتواصل على امتداد السنة فلا خير في هذا الشخص …فقط هل بإمكانكم اصطحاب عائلتك والقيام بجولة وسط المدينة العتيقة ليلا ؟ هل بإمكانكم التحوّل لساحة القصبة والوقوف على تلك المنطقة التاريخية التي أصبحت مرتعا للانتصاب الفوضوي والمنحرفين ؟ هل بإمكانك وضع سيّارتك بأحد شوارع مدينة صفاقس دون أن يأتيك أحد الباندية ويطلب منك ثمن الحراسة ؟ هل بإمكانك استعمال الطريق والتقيّد بقانون السياقة لأنّ مدينة صفاقس تعوّد جميع سكّانها على قوانين غير مألوفة ؟ هل بإمكانك فتح نافذة مكتبك لتشاهد أحد باعة السمك انتصب يبيع بضاعته خلف مقرّ البلدية مباشرة وهل بإمكانك رؤية تلك المئذنة التاريخية لقصر بن رمضان منهارة دون الشعور بالألم ؟
السكّان لم يعد يعتمدوا عليكم جميعا بل وجدوا ملاذا لدى بعض الرجال الغيورين الذين بادروا بإحداث تنسيقية البيئة وجعلوا من جهدهم ومالهم الخاص سلوكا وحسّا مواطنيا رفيعا وكانت انجازاتهم مصدر فخر واعتزاز لنا غلق السياب بعد عقودا من الزمن واسترجاع شاطئ الكازينو رغم أن المؤامرات متواصلة من أجل استرجاع السياب ومن اجل افتكاك الشاطئ تحت غطاء المياه الملوّثة والفكرة الجهنّمية الذي أعلنها وزير النقل بتوسعة الميناء التجاري …
سيدنا رئيس البلدية، صفاقس تستغيث …صفاقس في حالة مزرية …صفاقس تستحقّ رجالا لإنقاذها بدل التشريفات والاستعراضات …صفاقس لا تتطلّب الكثير من الجهد والتفكير.. كانت مدينة تسحر كل من رآها ويعشقها كل من نام بين أزقّتها وتملّكه شغف آثارها وضوضاء أسواقها البسيطة وهام بجمال تركيبتها الغريبة الفريدة من نوعها وكلّ إهمال لمورثها الثقافي وعدم المحافظة على معالمها و مواقعها التاريخية هي جريمة في حقّ هذا الإرث لأنّه يرسم لنا خريطة طريق ومنهاج عمل يضيء لنا الطريق الماضي والمستقبل واعتبار التراث هو الحاضنة التاريخيّة للشعب.
بقلم محمد الحمامي