مدرسة العباسية .. من منارة علم الى بالة من البالات : بقلم حاتم الكسيبي
مدرسة العباسية التي فقدت بريقها أبوابها منذ سنوات عديدة بعد أن تركها التلاميذ والمعلمون يوم هجر أهل المدينة العتيقة مساكنهم وغرفهم ليعمّروا الغابة. تلك المدرسة الحديثة البنيان نسبيا والتي أنشأتها جمعية البر العربية سنة سبع وأربعين في القرن الماضي أي قبيل تسعة سنين من تاريخ نيل الاستقلال، صارت غريبة الديكور وقد أحاطت بها عجائب الزمن وغرائب الثورة.
هكذا حكم الصفاقسية على مدرستهم الفتية بالنسيان فانتظرنا لعلها تتحول الى مركز ثقافي أو ان تكون متحفا أو مقرا لأي منشط يحفظ للمدينة رونقها الذي ضيّعته لامبالاة المجالس البلدية المتعاقبة وعدم اكتراث الصفاقسية. هذه المدينة الأثرية التي يأويها السور “العظيم” باتت أزقتها غريبة عن أهلها يتهددها السقوط عند كل غيث نافع وتكسوها المزابل من أولها الى آخرها على الدوام.
اعتلى باب مدرستنا شريط ثبّت على مهل ليحمل جمازات وسراويل ومعاطف للبيع بينما افترشت عتبتها قبعات شتوية وبعض الأحذية الرياضية. هكذا تراءت لي اليوم لما ولجت باب القصبة قاصدا نهج مكة. لم تسلم شبابيك المدرسة التي علّقت عليها أيضا أغراضا أخرى بعضها نسوي وبعضها رجالي. أمام المدرسة انتصبت بالات بعضها بالقطعة للأطفال وبعضها للأحذية واللعب والأحزمة الجلدية. وكذلك نسج الجوار حولها بالات وبالات تمتد طولا وعرضا فتضايق سيدي الياس من جهة ومتحفها المهجور من جهة أخرى ثم تأتي على كامل الساحة فتتشكّل كفسيفساء تربيعية عجيبة الألوان.
معاذ الله أن نزدري تجار الملابس القديمة الذين يسعون وراء لقمة العيش أو ننتقص أعمالهم فهذا رزقهم قد كتب لهم. وهذا بلد قد صار مستهلكا للقديم بعد ان عجزت الموازين وصدأت الدواليب وتعطّلت المناسج. لكن المدرسة معلم تاريخي لا يحق لأحد أن يتركه تائها في زحام البالات تعتدي عليه الفوضى واللامبالاة فيضيع كما ضاعت عديد المعالم التاريخية. أضف الى ذلك أن البلدية الموقرة مطالبة بتوفير أسواق لتجارة الملابس القديمة مادام العض والطلب متوفر فتقوم على تهيئته و تنظمه و تجمع مرابيح ولو قليلة حتى يحفظ المكان نظافته و رونقه ولا يرتطم الحاضر مع الماضي بل يسنده و يدعمه.
بقلم حاتم الكسيبي