أميرة بوزيد : هل حقا صعدت تونس في مصعد الرقمنة ؟
تتجه أنظار العالم اليوم نحو الرقمنة فهي بوابة المستقبل و أسمى وسيلة تضمن تطور الذات البشرية و إستمرارية الأجيال القادمة و خلق أجواء مفعمة بالأمل و الرضى و تنمية روح الابتكار و التجديد لدى الشباب باعثي المشاريع.
تتطور أنضمة الرقمنة بنسق سريع حول العالم حتى تحول أعباء الحياة إلى متعة لكنها قاطرة متواصلة لا تنتظر من لا يواكبها يوما بيوم. فهي اليوم جزء لا يتجزأ عن النظام العالمي الجديد بإعتبارها عنوانا للسيطرة و القوة لدى صانعيها .
يحتل موضوع رقمنة المؤسسات المنابر الإعلامية و يشغل حيزا هاما من أنشطة الحكومات في العالم. لكن ما هي التحديات التي تأخذها الدولة على عاتقها حتى ترتقي بهذا الإنجاز و تجني ثماره ؟
من أبرز نقاط قوة الرقمنة أنها تلمس جميع الأوتار الحساسة بالدولة كالجانب الإجتماعي و الإقتصادي بشكل خاص فهي تكشف مواقع الفجوة الرقمية بين الدول و مدى خطورتها في الحد من إنتشار تكنولوجيا المعلومات إذ لا وجود للتجديد دون تمكين مالي و إدراج الكفاءات المطلوبة لكن تبقى هذه العوامل متذبذبة من دولة إلى أخرى .
أما في تونس فمازالت علامات الإستفهام تحوم حول الموضوع ، ما هي أهم الخطط المتبعة لترسيخ رقمنة المؤسسات ؟ و ما مدى إستطاعة رأس المال البشري أن يتأقلم مع إضافات التكنولوجيا الحديثة ؟ و ماهي الميزانية المخصصة لتطوير المعدات و تكوين المستعملين من الأجيال المعاصرة ؟ ما هي خطة إعادة هيكلة برامج التدريس في التعليم العالي لإستيعاب وظائف المستقبل ؟
نستنتج من خلال هذي التساؤلات أنه لا يمكن لخطة الرقمنة أن تنجح دون إستراتيجيا متناغمة و متكاملة تتكاثف فيها جهود جميع الوزارات و المجتمع المدني عبر التأطير و التحسيس و التكوين المستمر و إستمالة المستعمل لكي يندرج ضمن الغطاء الرقمي.
قد نجد الؤسسات الخاصة من السباقين لإختراق عالم الرقمنة و ملتزمين بشروط نجاح هذا التحدي من حيث تسخير المخصصات المالية و تكوين الإطارات و العملة و تطوير المعدات و الإمكانيات و الإستعانة بخبرات أجنبية و ذلك لإيمانهم بطابعها المميز و بمدى قدرتها على تطوير عائدات المؤسسة و تنمية منتجاتها و إكتساح الأسواق و إرضاء الحريف و تشجيع الموظفين لمزيد من العطاء. بإستثناء المؤسسات الصغرى و المتوسطة التي تواجه صعوبات مالية تحول دون إنضمامها لعالم الرقمنة .
لكن ماذا عن المؤسسات العمومية هل أصبحت تملك آليات الرقمنة و مقومات الإدارة الذكية ؟ هل هي مستعدة للصعود في ركب الرقمنة و إستغلال ميزاته و الإنغماس في تفاصيله ؟ و ما هي رؤيتها الإستشرافية و خططتها الإصلاحية لتعصير الإدارة ؟
في السنوات الأخيرة تندرج الرقمنة ضمن أهم برامج التنمية في تونس بإعتبارها أداتا لدفع عجلة الإقتصاد و للتقليص من الخسائر و التجاوزات و للحد من ظاهرة الفساد داخل الإدارة و تنظيم المعاملات دون اللجوء إلى إستعمال المزيد من الأوراق و الملفات. تتباهى الوزارات المعنية بإنجازاتها عبر وسائل الإعلام حتى أتت جائحة كورونا لتكشف الخور و مدى هشاشة البنية التحتية داخل المؤسسات العمومية التونسية بما فيها الصحة و التعليم و الخدمات الإدارية و أنها لم تتملص بعد من الأساليب التقليدية في معاملاتها و هو ما يعكس غياب الإرادة و المناخ الملائم للتجديد داخل المؤسسات.
تطرح الدولة اليوم مشروع المدن الذكية و تسعى إلى أن تخترق الرقمنة جل المجالات و القطاعات بما فيها القطاع البنكي و البريد التونسي و التعليم و الصحة و من أهم هذه المشاريع هو بعث المعرف الوحيد الذي سيكون محور التواصل بين الإدارة و المواطن فهو يفرض ترابط عمل مجموعة من الإدارات من خلال تقاسم قاعدة بيانات ضخمة لكن في ظل هذا النسق الضعيف في إدماج الرقمنة كيف للإدارة أن تتدارك هذه الخطى الثقيلة و المحتشمة في انجاز هذا المشروع ؟
إضافة إلى ذلك ،لابد من المزج بين إعتماد الرقمنة و تكوين الإطارات على أسس متينة تحقق نتائج باهرة موثقة بالأرقام و المعطيات الملموسة لا مجرد أخبار تذاع عبر وسائل الإعلام و تتناقل لدى الرأي العام دون معرفة مدى مصداقيتها و شفافيتها في الواقع .
من مفارقات القدر أن لفيروس كورونا إيجابيات على الدولة التونسية و هي إزالة الغشاوة من أعيون الحكومة عن فوارق النضج الرقمي بين تونس و الدول الأخرى بشكل عام و عن الفجوة الرقمية داخل البلاد و غياب تكافؤ الفرص بين كل الجهات بشكل خاص و من أبرزها نذكر الصعوبات التي مر بها قطاع التعليم بسبب صعوبة تعميم التعليم عن بعد على جميع المدارس و الجامعات بالإضافة إلى صعوبة إمكانية القيام بالفحوصات الطبية عن بعد و الحصول على وصفة طبية معترف بها لدى الصيدليات.
على الدولة أن تؤمن بكفاءاتها و تبعث فيهم الأمل و حب المبادرة. أثبتت الأحداث الأخيرة ضرورة إطلاق العنان للرقمنة فهي الحافز الأساسي لإستمرارية الحياة و النهوض بالمؤسسات الإدارية و الصناعية لتنمية إقتصادنا الهزيل و للحد من ظاهرة الفساد التي إنتشرت بشكل مرعب في السنوات الأخيرة. يعتبر العمل بالتعاون بين القطاع العام و الخاص من أهم ركائز إنجاح مشروع الرقمنة و كذلك على الدولة أن لا تتناسى تأطير المؤسسات الصغرى و المتوسطة و دعمها و عدم تضييق الخناق على المؤسسات الكبرى التي تواجه حواجز قوانين حماية المعطيات الشخصية و السلامة المعلوماتية.
أميرة بوزيد باحثة في الإقتصاد الرقمي بكلية العلوم الاقتصادية و التصرف بصفاقس.