استرجاع محطات من ذاكرة روافد اليسار المتعدد بصفاقس
كتب رضا القلال
حضرت نهاية الأسبوع الماضي وتحديدا عشية يوم السبت 09 أكتوبر ندوة كانت تحت عنوان “محطات في تاريخ وذاكرة اليسار بصفاقس”، وهو تاريخ غائب لم توثق أغلب ردهاته ولم يكتب منه الا القليل ومازال خارجا في معظم محطاته عن دائرة اهتمام تاريخ تونس الثري والمتعدد.
المكان: المركز الجامعي للتنشيط الثقافي والرياضي بالمركب الجامعي بطريق المطار كلم 4.
المنظم : قسم التاريخ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس بالتعاون مع مخبر التراث بكلية الآداب والفنون والانسانيات بمنوبة وبدعم من مكتب التعاون الاكاديمي لمؤسسة روزا لوكسمبورغ حيث حضرت اللقاء السيدة نادية الورغمي مسؤولة مكتب المنظمة بتونس . ومعلوم أن مؤسسة روزا لكسمبورغ تأسست عام 1990 بألمانيا الموحدة اثر سقوط جدار برلين وهي احدى المؤسسات الألمانية المماثلة لها كمؤسسة فريدريش ايبرت ومؤسسة مونراد آدنهاور الخ … وهي تحمل اسم إحدى أبرز المناضلات الاشتراكيّات الالمانيات في القرن العشرين وتنشط المؤسسة داخل ألمانيا عبر 16 فرعا محليّا، يقابلها 18 مكتبا إقليميّا منتشرين في بقاع مختلفة من العالم وتحتضن ضاحية ميتيال فيل بتونس مكتب شمال افريقيا الذي شرع في العمل منذ سنة 2014.
ويأتي هذا الحدث العلمي في سياق إحياء مائوية النشاط الشيوعي بالبلاد التونسية (1921-2021) وذلك منذ ظهور أول فرع شيوعي بالبلاد التونسية في 27 مارس 1921 بإشراف المؤرخ والمناضل الشيوعي حينئذ شارل أندري جوليان بمدينة فري-فيل (منزل بورقيبة حاليا). وقد سبق أن تم عقد لقاءات علمية مماثلة منذ شهر مارس الماضي بكل من جندوبة ومنزل بورقيبة وتونس العاصمة وتواصلت اللقاءات في الصائفة الماضية في كل من قليبية ومنزل تميم والحمامات واندرج لقاء صفاقس ليوم السبت الماضي ضمن الدفعة الأخيرة التي ستشمل كلا من مدن قابس وقفصة وسوسة وباريس الخ …
بعد كلمات الترحيب التي ألقاها كل من الأستاذة ألفة بودية مديرة قسم التاريخ بكلية الآداب والعلوم الانسانية بصفاقس والأستاذ الحبيب القزدغلي مدير مخبر التراث والعميد السابق لكلية الآداب والفنون والانسانيات بمنوبة والسيدة نادية الورغمي باسم مكتب التعاون الأكاديمي روزا لكسمبورغ . توزعت هذه الندوة على جلستين:
الجلسة العلمية الأولى أدارها الأستاذ منصف القابسي وقدم خلالها الأستاذ عبد الحميد الجمل كتاب “تراجم نشطاء الحركة الشيوعية في تونس” وهو من تأليف السيد الحبيب رمضان وتقديم د. الحبيب القزدغلي حيث أفاد الأستاذ الجمل أن الكتاب اشتمل على 300 ناشط من رموز الحركة الشيوعية برزوا في الفترة الممتدة من 1921 الى سنة 1963 وكانوا من أجيال متعددة خاضوا تجارب سياسية و نقابية وفكرية وحقوقية واعلامية ونسوية وثقافية وانحدروا من مختلف جهات البلاد ومن اصول اثنية متعددة(إيطالية وفرنسية ومالطية) ودينية متنوعة(مسلمين ومسيحيين ويهود ) جمع بينهم النضال الاجتماعي والوطني على أرض تونس …والكتاب وثيقة مهمة جدا للتاريخ السياسي والاجتماعي ولتاريخ الصحافة الوطنية، وفيه اعتراف بالجميل لمناضلين ومناضلات كافحوا وناضلوا في تونس ومن أجل تونس من مواقع أخرى اضافة لما قدمه الدستوريون من الحزبين القديم والجديد والاتحاد العام التونسي للشغل.
وفي الجلسة العلمية الثانية التي أدارها الأستاذ نورالدين الفلاح استمع الحاضرون الى شهادات على غاية من الأهمية لأنها تعرض ذاكرة فردية وجماعية تقال لأول مرة، ولم يسبق ان نظمت ندوة مماثلة عن حركة اليسار بصفاقس، وهو مخزون شفوي كبير نخسر أجزاء منه كل عام، وإلى اليوم لم يقدم أي بحث ماجستير او دكتوراه حول هذا الموضوع . وغبطنا بالاستماع الى كل من إبراهيم بن صالح المناضل الحقوقي وعبد الله بن سعد وفتحي الهمامي ومحمد العزعوزي ورضا بازين والناشط المكي الجزيري، ومازالت القائمة أوسع من هذه الجلسة ومن الأسماء الصفاقسية الأخرى المرحوم محمد الأمين اليوسفي والمرحوم محمد الكراي و المرحوم خميس زليلة ومن الأحياء محمد علي الحلواني ومحمود بن جماعة ورضا الزواري والمنجي الغريبي والطيب الغريبي ورضا زعتور وفتحي الشفي وثامر ادريس …..
والحصيلة ان اليسار في تونس هو جزء من تاريخ البلاد ويشهد عالم النشر حركة تدوين وتوثيق واسعة لهذا الاتجاه المتعددة النضالات في الفن والسياسة والصحافة الهزلية والحركة النقابية. ويبدو ان “دينامو ” هذا الفعل التوثيقي العلمي هو الأستاذ الحبيب القزدغلي الذي ناضل ضد التيارات السلفية زمن عمادته لكلية الآداب والفنون والإنسانيات بمنوبة(2011-2017)، وهو اليوم يزور رفقة عدد من باحثي وباحثات مخبر التراث الذي يديره مختلف جهات البلاد للبحث ولتدوين الذاكرة الشفوية اليسارية، كما سجل عديد الشهادات مع المناضلين الوطنيين عندما كان مشرفا على وحدة التاريخ الشفوي في تسعينيات القرن الماضي بمعهد تاريخ الحركة الوطنية ، معهد تاريخ تونس المعاصر حاليا. واخر كتاب للأستاذ الحبيب القزدغلي “أوراق من تاريخنا” وهي أوراق صحفية تعود الى الثمانينيات من القرن الفائت نشرت بجريدة “الطريق الجديد” التي كان صدر العدد الأول منها يوم 03 أكتوبر 1981 على اثر رفع الحظر من قبل الرئيس بورقيبة على نشاط الحزب الشيوعي التونسي في 18 جويلية 1981 بعد 18 سنة من المنع . وقد تحدث الأستاذ القزدغلي في كتابه عن الحزب الشيوعي التونسي واهم محطاته التاريخية وشخصياته واصدره في 219 صفحة باللغتين العربية والفرنسية عن دار النشر نيرفانا تزامنا مع الاحتفال بمرور 100 سنة على تأسيس اول نواة للحركة الشيوعية بالبلاد التونسية سنة 1921.