انبعاثات هجينة ….قراءة لمعرض الفنانة سمية السويسي
ما إن تطأ قدمك عتبة الفضاء حتّى تعترضك معلّقة المعرض الفنّي للفنّانة التشكيليّة سميّة تحت عنوان “Hybride”، عندها تعي أنّك ستلوج عالما مغايرا …عالما من الخزفيات تتقارب أحجامها وتتعدّد قراءاتها وتأويلاتها لفرط استيعابها لشحونات تعبيريّة ورموز تشكيليّة، عشرون عملا خزفيّا أثّث قاعة العرض بدار الثقافة ساقية الزّيت عشيّة السبت 13 مارس لتستقرّ هذه “الأعمال الملغزة” لغاية 30 أفريل 2021.
الشخصيات المعروضة أبطال خارقة نجحت “سميّة” أن تكون فيها مخرجة بامتياز تجعل من الزّائر حالما طورا، خائفا فغارقا في خبايا المادّة طورا آخر في عالم استشباحي أسطوري بل دعنا نقول عجائبي غرائبي زاده الطّيف الأبيض لأغلب الأعمال سحرا.
استطاعت الفنّانة أن تطوّع المادّة وفق مزاجيتها وخبايا عقلها، فشكّلت “دمى” ما إن تبعث فيك سكينة حتّى ترجّك وتهزّك بسيقانها الحيوانيّة فتلفي روحك تتساءل عن أصل الشيء والكون وهذه الاستنساخات الجسد-حيوانيّة. لم تستطع الفنّانة حجب ما بقي فيها من بيئتها وما ترسّخ فيها من جذورها التي امتدّت كامتداد أصابع الأخطبوط لتذوّب الآدمي مع البحري فكرةً وتخرجها في تركيبة من أصل الخلق مادّةً فكلّنا من تراب، فرغم الهجانة في الأعمال ورغم سفر “السويسي” في ربوع الخيال بين عوالم مختلفة إلاّ أنّ رحالها كان يحطّ دائما وأبدا على امتدادات الأرخبيل المحدودة بالمياه في اعتراف بالجميل للأمّ الوالدة وللأخرى الحاضنة التي ترعرعت على أرضها فغذّت روحها بهوائها ونفخ فيها حتّى اشتدّ عودها ونضجت أناملها فشكّلت روائع خزفيّة لم تخل من الحبكة في التكوين والدّقّة في التشكيل فتجد الأخطبوط بنتوءاته البارزة، السرطان بجزءه السفلي وسلحفاة البحر المنقرضة بحرا والمتواجدة خزفا.
تصرّ الفنّانة في المزج بين عوالم مختلفة في القطعة الواحدة فتجد نفسك أمام خزفيّة تجمع بين الواقعي والخيالي وأخرى بين عالم أرضيّ وبحريّ خاصّة في عمل “Bébé Sirène” و”le cœur poulpe” بإضافة العضو النابض فتبعث في الخزفيّة
يخرجنا ذلك بالضّرورة من “روتين خزفيّ” مكرّر تعسّفيّ إلى حدّ ما فالزّائر يجد نفسا جديدا فيستمتع، يُدْهشُ ويرتاب ثمّ ليغوص مع الوجوه وسط قارورات ماء ليفيق من غفوته مع عمل “Installation Embrayon” فتتشكّل وجوهنا تعاطفا مع خطوط الوجه المرسومة حزنا وقلقا ونتماهى معها حتّى نصير واحدا في محاولة للفنّانة في تكريس فكرة “التعليب” و”الخزن” والظفر بطبقات من الملامح والوجوه المحفوظة.
ما إن كانت الفنّانة متشبّثة “بالهجانة” مفهوما حتّى أظهرت الالتزام عقيدة تنقل صرخة بل صرخات إيمانا منها بأنّ الفنّان ملتزم بقضايا عصره من خلال هذه الوجوه الحزينة، الغارقة في الألم وما يعيشه من اضطراب اجتماعي وسياسي…أظهرت فيه الأعمال بلوغ درجة كافية من الوعي الفكري والفلسفي وقدرا عال من الحبكة الفنية.
د. ياسمين الحضري / دكتورة في علوم وتقنيات الفنون