أين تقع تونس على خارطة المستثمرين الأجانب ؟
تعد الاستثمارات الأجنبية من أهم الركائز الداعمة لاقتصاد الدول حيث سعت الدول الصناعية العظمى لجلب الاستثمارات الأجنبية باعتبارها عنصرا هاما في إنجاح نموذج التطور الاقتصادي الذي تسعى إليه فهي أهم وسيلة للحصول على تدفقات من الرأس المال الأجنبية قصد انجاز المشاريع الضخمة , هذا و قد بلغ حجم الاستثمارات الأجنبية حول العالم إلى 1.3 تريليون دولار سنة 2018.
للدبلوماسية الاقتصادية دورا هاما في تمتين العلاقات بين الدول وفتح الأفاق لتبادل الاستثمارات و إبرام اتفاقيات المبادلات التجارية لذلك تتسارع الدول المستقطبة للمستثمرين الأجانب إلى توفير سبل الرضا للمستثمر كمرونة الإجراءات و كثرة الامتيازات و الإعفاءات الضريبية ,لكن يبقى المناخ الاجتماعي و السياسي الحافز الأهم لإلهام المستثمر و حثه على العطاء بعيدا عن أرضه لتتحقق الفائدة المشتركة بين الشعوب. تهدف الاستثمارات الأجنبية إلى تعزيز الكفاءات المحلية بخبرات و ثقافات و تقنيات جديدة لإثراء المشهد الاقتصادي بما لها من دور فعال في تلاقي الحضارات و المهارات و الأسواق و خاصة نشر ثقافة العمل و الكد بين صفوف المتهاونين و هو ما سينتج عنه تنوع لمصادر الدخل للبلد المضيف و تشغيل اليد العاملة و خلق مناخ للمنافسة بين الصناعات المحلية و الوافدة.
تساهم الاستثمارات الأجنبية في التنمية الاقتصادية و التنوع و هو ما يعزز الترابط و الثقة بين المواطن و وطنه حتى يتجنب التفكير في الهجرة إلى المجتمعات العنصرية و يتعرض إلى الاستغلال الفاحش و يحرم وطنه من معارفه.
قد تعتبر شوط استقطاب الاستثمار الأجنبي بالشروط المجحفة بالنسبة للدول النامية التي تعاني من نسبة عالية من الفساد الإداري و يغيب فيها المناخ الملائم للاستثمار و في غالب الأوقات يشهدون نسبة تضخم عالية و سياسة مالية فاشلة و يد عاملة متقاعسة وارتفاع نسبة المديونية و تفاقم الفقر و البطالة و هو ما أل إليه الوضع في تونس في السنوات الأخيرة .
تراجعت نسبة الاستثمار الأجنبي المباشر في تونس من 2742 مليون دينار سنة 2018 إلى 2479 مليون دينار سنة 2019 إضافة إلى تراجعها بنسبة31 في المائة بين سنتي 2020 و 2021 بسبب جائحة الكورونا كما يعتبر القطاع الفلاحي أول المتضررين حيث بلغت نسبة تراجع الاستثمار الأجنبي فيه لتسعين بالمائة ثم قطاع الصناعة حيث سجل تراجعا بخمسين بالمائة و هو من بين أسباب انهيار ميزان الدفعات و تفاقم الأزمة الاقتصادية. تسبب الوضع الحالي للبلاد التونسية في جعلها بيئتا طاردا للاستثمار خاصة بعد تراجع ترقيمها السيادي من طرف وكالات التصنيف الائتماني .
بعد الصعوبة التي لاقتها الحكومة في التفاوض مع صندوق النقد الدولي, عاشت تونس على وقع المنتدى و المعرض الاقتصادي الليبي التونسي بمبادرة من مجلس الأعمال التونسي الإفريقي أين تباحث الطرفان عن سبل التعاون الاقتصادي بين البلدين و فتح المجال أمام المستثمرين الليبيين داخل الأراضي التونسية مع إمكانية منحهم الحق في الملكية و بالمقابل توعد الطرف الليبي بالاستفادة من الخبرات التونسية في إعادة إعمار ليبيا.
مما لا شك فيه أن جذب المستثمرين الأجانب و تقديم الامتيازات لهم من أهم خطوات دفع الاقتصاد التونسي لكن لا يكون الاستثمار الأجنبي بناءا و يعود بالفائدة على الطرفين إلا تحت غطاء اتفاقيات ناجعة و ايجابية تحمي حقوق المواطن التونسي أولا و لا تعتدي على سيادة الدولة. فعلى المستثمر الأجنبي منح أولوية الانتداب إلى المواطن التونسي مع تمكينه من حقه في التغطية الاجتماعية و اجر محترم إضافة إلى إمكانية تحديد نسبة الإنتاج المطلوبة من قبل خبراء تونسيين في المجالات المقصودة خاصة في قطاع الفلاحة.
كما أن الحق في الملكية للأجانب لا يجب أن يكون اعتباطيا بل لابد من إتباع ضوابط تضمن الأولوية للتونسيين في الملكية في إطار مقدرته الشرائية المتوسطة و تحديد سقف قيمة العقارات الموجهة للمستثمر الأجنبي حتى نحمي المواطن التونسي من التغول و الارتفاع المشط لأسعار العقارات.
لكن تبقى دائما موافقة المستثمر الأجنبي على هذه الشروط تطلب مجهودا هائلا من الدولة لخلق مناخ ملائم للاستثمار و محاسبة الفاسدين و تطوير سياساتها المالية تجنب اللجوء للقروض و التعويل على الإمكانيات و الموارد الذاتية و عدم الخضوع لهرسلة النقابات و تعزيز حقوق الإنسان و ترسيخ قيم العدل و استقلالية القضاء و الاستقرار السياسي و تكثيف التواجد الأمني.
فهذه الشروط لن تقتصر فقط على إدراج البلاد التونسية في خارطة المستثمر الأجنبي بل ستعزز ثقة المواطن التونسي ببلده و تحد من ظاهرة هجرة الأدمغة.
أميرة بوزيد باحثة في الاقتصاد عن كلية العلوم الاقتصادية و التصرف بصفاقس .