أميرة بوزيد : هل تتعظ تونس من الأزمات العالمية ؟
تفرض الأزمات العالمية نفسها لتغير موازين القوى و لحث الدول على التفكر، فمن رحم الأزمة تنبثق النظرة الإستشرافية التي تعمل على مقاومة الظروف و تفادي وقوعها من جديد. فأزمة البترول سنة 1973 آلت إلى البحث في سبل استغلال الطاقات المتجددة، كما أدت جائحة الكورونا سنة 2020 إلى الالتفاف حول تطوير أنظمة التكنولوجيا الحديثة لتتواصل الحياة. و ها نحن الآن نستقبل سنة 2022 بالحرب الروسية الاكرانية التي قد تضفي إلى تغيير جذري على النظام العالمي و تركيبة أحلافه. الجميع مصاب بالهلع من الارتفاع الجنوني لأسعار النفط و التهديدات التي قد تطال إمدادات الغاز و إمكانية نقص تزويد بعض الدول بالحبوب إضافة إلى ارتفاع أسعارها و ذلك لسيطرة روسيا و اكرانيا على 30 % من الإنتاج العالمي للحبوب.
أما من الجانب التونسي، أعلنت الدولة التونسية أنها تقف على حياد إزاء ما يحدث، فهي بين مطرقة صندوق النقد الدولي الذي تواجه صعوبات عديدة في التفاوض معه و بين سندان روسيا باعتبارها مزودة للسوق التونسية و دولة ذات نفوذ قابل للتوسع في مستقبل الأيام. لكن هل تتعظ تونس من الأزمات العالمية و تسعى لحظ أمنها الغذائي في إنتاج الحبوب و استغلال الطاقات المتجددة في تطوير صناعاتها ؟ تتتالى الأزمات و لم نشاهد خطى جدية للمواجه بحلول بديلة.
كل هذه التساؤلات و أكثر أضحت لا تفارق أذهان التونسيين خاصة بعد نفور أزمة الحبوب في ظل الحرب الروسية الاكرانية ، حيث أن تونس تورد مقدار 50 % من حاجياتها من القمح الصلب و 90 % من القمح اللين من الخارج، و أن 60 % من وارداتها متأتية من روسيا و اكرانيا، و هو ما طرح مسألة البحث عن مسالك توريد أخرى للقمح قبل نفاذ المخزون في موفى شهر ماي.
لسائل أن يسأل كيف تحولت تونس من دولة منتجة لمادة القمح إلى دولة موردة له و تعجز حتى عن تخزينه في ظروف ملائمة ؟
و كيف يمكن للإنتاج أن يعود إلى سالف عهده ؟
تمتاز البلاد التونسية بأراضي زراعية خصبة، و بعد الجلاء الزراعي سنة 1964 ، 500 ألف هكتار منها باتت على ملك الدولة. لكن 40 % منها غير مستغل كما ينبغي. كذلك يشتكي الفلاح التونسي من ضعف تزويده بالبذور و من التغيرات المناخية و انحباس الأمطار و قلة الخبرات في التعامل مع هذه الظروف ومن التكاليف المجحفة لإنتاج الحبوب التي قد تتجاوز الأسعار التي يفرضها الديوان الوطني للحبوب في ظل غياب الدعم على إنتاج الحبوب، الذي يصل بدوره إلى 30% في بعض الدول، و هو ما يحول دون تنمية هذه الزراعة في تونس و انسحاب الفلاحين.
إذا تلجأ الدولة إلى استيراد القمح بأسعار مرتفعة بدلا من دعم الفلاح التونسي و استغلال أراضيها الخصبة لتحقيق أمنها الغذائي، إضافة إلى غياب بوادر تطبيق حزمة الإصلاحات التي طالما سمعنا عنها في وسائل الإعلام،حتى أنها لا توفر الظروف الملائمة للتخزين، كما نرى تشجيعا هزيلا ،لا ينا إلى مستوى التطلعات، على البحث العلمي باعتباره عنوانا للتنمية و وفرة الإنتاج في جميع القطاعات و مسلكا لإيجاد الحلول البديلة لواجهة التغيرات المناخية.
يعد القطاع الفلاحي ركيزة أساسية أثبتت دورها الاقتصادي أثناء جائحة الكورونا عند توقف الصناعات المعملية لكنها تتطلب حسن التسيير بدعم صغار الفلاحين و تشجيع المستثمرين للإقبال عليها و تمكينهم من الدعم اللازم لإنجاح عملية استغلال أراضي الدولة و البحث في مجال الطاقات المتجددة و التكنولوجيات الحديثة، حتى تصبح منتجات البلاد التونسية من صنع أبنائها و لا تبقى رهينة التوريد و الظروف الجيوسياسية. بإمكان الدولة أن تجعل شعبها يفخر بأن منتجاته من صنع بلاده بداية من المواد الخام وصولا إلى المنتج النهائي بدعم عادل للقطاعات التي تحقق حقا سيادة الدولة و ثروتها و تصنع إشعاعا اقتصاديا يفرض نفسه في الأسواق الخارجية و تتحول إلى مصدر مرفوع الرأس بدلا من مورد مطأطئ الرأس و ذلك بالاستغلال المثمر لأراضيها الفلاحية و تشجيع الباعثين الشبان للإقبال على القطاع الفلاحي بدلا من النفور منه و جعله يشعر إن دولته سندا له و ليست عائقا. من المؤكد أن لتونس شعبا غيورا على رايته الوطنية و مستعدا للعمل و التغيير و الإصلاح لكن يبقى الضوء الأخضر بيد صناع القرار. و يتطلب استقرارا سياسيا يكاد يكون منعدما في السنوات الأخيرة بسبب التغييرات المتتالية للحكومة التونسية.
أميرة بوزيد باحثة في الاقتصاد بالكلية العلوم الاقتصادية و التصرف بصفاقس.