جدال بين الأكاديمية الفرنسية والوزير الأول الفرنسي
بقلم د. محمد الناصر بن عرب
تعتبر اللغة في سائر البلدان عنصرا أساسيا للهوية. وكما يقول بن خلدون “غلبة اللغة بغلبة أهلها وأن منزلتها بين اللغات صورة لمنزلة دولتها بين الأمم”.
في فرنسا تُكْتَبُ عادة بطاقات التعريف الوطنية باللغة الفرنسية فقط. ومنذ شهر آب/أوت 2021 أصدرت الدولة الفرنسية بطاقات تعريف جديدة مكتوبة باللغة الفرنسية وباللغة الإنجليزية أيضا. فقررت الأكاديمية الفرنسية التي تشرف على قواعد اللغة الفرنسية وتصنف معاجم وقواميس اللغة الفرنسية وتسهر على جودة الآداب الفرنسية استنكار هذا القرار لأن النموذج الجديد لبطاقات التعريف الوطنية الفرنسية لا يطابق الدستور الفرنسي الذي ينص أن ” اللغة الفرنسية هي لغة الجمهورية الفرنسية”. لذلك عينت الأكاديمية الفرنسية مكتب محاماة الذي اتصل برئيس الوزراء الفرنسي جان كتاكس طالبا منه إلغاء البند الذي يسمح إنشاء بطاقات تعريف جديدة مكتوبة باللغة الفرنسية وباللغة الإنجليزية.
في بلادنا لا توجد أي منظمة أو مؤسسة تسهر على احترام اللغة العربية رغم أن الدستور التونسي ينص أنها اللغة الرسمية لبلادنا. فحتما يجب استعمالها في البيت والشارع والمدرسة والكلية وخاصة يجب تدريس شتى العلوم بواسطتها والاستمرار في تعلم اللغات الأجنبية. لكن للأسف الشديد نحن نسمع اليوم على ألسنة الوزراء ورجال الأعمال والأساتذة والإعلاميين في الإذاعات والقنوات التلفزية خليطا من اللغة العامية واللغة العربية واللغة الفرنسية الرديئة. ولا يتحرك ساكن لا لوزارة التربية والتعليم ولا لوزارة الاعلام والاتصال والثقافة للحد من هذا الخليط المسيء للغة العربية ولا نسمع صوتا يستنكر هذا الاحتقار للغة العربية.
في ليبيا وفي عهد المرحوم معمر القذافي فُرِضَ على كل أجنبي تطأ أقدامه الجماهرية الليبية أن يقدم جوازا مترجما باللغة العربية لشرطة الحدود الليبية. ولقد صادقت كل الدول الأجنبية على هذا الاتفاق الذي رفع من شأن اللغة العربية خصوصا وأن اللغة العربية أصبحت إحدى اللغات الرسمية الست المعتمدة لدى الأمم المتحدة وأصبح يوم 18 كانون الأول/ ديسمبر يوما عالميا للغة العربية. وبقدر ما نعتز بلغتنا يحترمنا الأجنبي وكما قال مصطفى صادق الرافعي “فما ذُلَّتْ لغة شعب إلا ذل”.
إن استنكار الأكاديمية الفرنسية في شأن كتابة بطاقات التعريف الوطنية الفرنسية باللغة الفرنسية بمعية اللغة الإنجليزية برهان قوي من طرف منظمة تسهر على الدفاع على اللغة الفرنسية ورفع شأن الهوية الفرنسية. فنحن بحاجة لمثل هذه المنظمة في بلادنا للدفاع عن اللغة العربية واحترامها وإتقانها.