خبير في الجيولوجيا البترولية: “الأرقام المتداولة بشأن مكامن النفط الهائلة في تونس غير دقيقة”
طفت على الساحة، مؤخرا، أرقام متداولة تتعلق بوجود حوض هامّ من النفط على مستوى السواحل التونسية ممّا غذّى آمال المتطلعين إلى انتعاشة اقتصادية لكن الدراسات الجيولوجية تبدد هذه الأرقام وتربط مدى نجاعة هذا الحقل بالنتائج التي قد تفضي إليها علميات الاستكشاف الجديدة.
وفي هذا الصدد، أجرت وكالة تونس إفريقيا للأنباء حوارا مع الدكتور في الجيولوجيا البترولية ومستشار بالمؤسسة التونسية للأنشطة البترولية، الحبيب الطرودي، لمزيد تسليط الضوء على حقيقة ملف المخزونات النفطية غير المكتشفة في تونس وعلى الإمكانيات المتاحة المتوفرة وواقع قطاع النفط والغاز.
“الدراسة الصادرة عن هيئة المسح الأمريكية تبقى غير دقيقة”
وأوضح الطرودي في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء أن، المقال الصادر عن وكالة المسح الأمريكية “حول احتياطيات هائلة من النفط بالسواحل” هي مجرد دراسة جيولوجية، جرت في حوض سرت التابع إلى ليبيا والأحواض المجاورة وبما يعرف بحوض “بيلاجي” التونسي.
ويضم هذا الحوض خليج قابس وخليج الحمامات ومنطقة الساحل وصفاقس وتونس والقيروان وصولا إلى الوطن القبلي ويشكل هذا المجال حوضا جيولوجيا غنيا بالترسبات.
وأضاف أن عديد الدراسات نشرت حول هذا الحقل من بينها دراسة قام بإعدادها بنفسه ونشرت سنة 2017 ضمن “نورث افريكان بوك” تبحث في الأحواض، وقد توصلت الدراسات إلى وجود أغلبية العناصر التي يمكن أن تدل على وجود النفط الخام.
وأكد في هذا السياق، أن هذه المنطقة شهدت من سبعينيات القرن الماضي، عمليات مسح زلزالي لما يقارب 200 ألف كلم وقد تم حفر 220 بئر في خليج قابس والحمامات والساحل والوطني القبلي.
وإفضت عمليات المسح إلى اكتشاف حقول “عشتروت” و”أميلكار” و”صدر بعل” و”سريسنا” و”سيدي الكيلاني” و”رامورا” و”بلي” و”المنزه”، لكن الحوض لم يشهد منذ 1990 أي اكتشاف. علما وان أغلبية هذه الحقول تسجل انخفاضا طبيعيا مستمرا للانتاج.
وأوضح أن عمليات الاستكشاف توقفت لأن كل الدراسات أثبتت ببساطة عدم وجود مكامن بالوفرة المذكورة والقادرة على انتاج النفط، مضيفا أنه باستثناء حقلي “عليسة 3” و”مهدية 3″، لم يتم حفر أي آبار أخرى منذ سنة 2009 على مستوى حوض البيلاجي التونسي علما وأن الانتاج على مستوى البئرين يعد ضعيفا.
وأفاد الدكتور الحبيب الطرودي بأن “الدراسة التي أعدتها هيئة المسح الأمريكية تعود إلى ما قبل سنة 2011، وطالما أنها لا تعتمد على دراسة والتحاليل الزلزالية المتوفرة بهذه الأحواض الروسوبية، فإنها تبقى غير دقيقة خاصة وأن تقنية المسح الزلزالي هي التي يمكنها أن تعطي فكرة للباحثين عن وجود وحجم المكامن”.
كما اعتبر أن “الوثيقة الصادرة عن هيئة المسح الأمريكية لا يمكن أن تعتمد على أنها مرجع علمي خاصة في ظل عدم ارتكازها على نتائج المسح الزلزالي الذي يشكل ركيزة أساسية في تقييم المكامن النفطية لمنطقة ما”.
حوض “البيلاجي” الجيولوجي مازال في حاجة إلى استكشاف
وعلى مستوى المؤسسة التونسية للأنشطة البترولوية، أكد المستشار في المؤسسة العمل على إعادة انجاز دراسات معمقة لاستكشاف وجذب المستثمرين.
وأضاف أن حوض “البيلاجى” غير جالب لاستثمارات وتعتبره أغلب المؤسسات النفطية غير قادر على تحقيق مأمولية عالية من الانتاج أو لتوفر موارد من النفط والغاز في حال الاستثمار فيه خاصة بعد اكتشاف أهم الحقول التونسية على غرار “أميلكار” و”صدربعل”.
وأكد أن المؤسسة التونسية للأشطة البترولية تبذل جهودا لتطوير عمليات الاستكشاف وخاصة عبر استخدام التقنيات الحديثة والاستفادة من الدراسات متعددة الاختصاصات والتي تعتبر مرجعا أساسيا، لافتا إلى أن حفر 300 بئر على مستوى هذا الحوض يعد غير كافيا لإعطاء صورة واضحة عن مأمولية الحوض علما كما أن الدارسات تشير إلى ضرورة حفر بئر كل كلم مربع.
وقال إن “الباب مفتوحا يبقى أمام أي دراسات تستند إلى مرجعية علمية وتقنية صحيحة وغير عشوائية، مع الإشارة إلى أنني أعتقد بأن حوض “البيلاجي” وخاصة المنطقة البرية من جهة الساحل يمكن أن تحتوي مكامن غير تقليدية”.
وفيما يتعلق بخارطة استكشاف النفط والغاز في تونس، أفاد بأن بلادنا لم تستقطب منذ زهاء 15 عاما أي شركة كبيرة الحجم متخصصة في الاستكشاف والتي تمتلك دراية وخبرة في الاستكشاف وذلك لسبيين اثنين، أولهما أن تونس تعد جيولوجيا منطقة أحواضها معقدة خاصة بالشمال والوسط وذات مردودية محتشمة.
وأشار إلى أنه “يجب على الدولة التونسية أن تسرع من عملية إدراج نصوص جديدة على مجلة المحروقات التي يجري الآن العمل على تنقيحها بما يتيح جلب استثمارات في مجال الطاقة الأحفورية”.
وتتشكل خارطة الآبار في تونس من 1100 بئر لكن زهاء 80 بالمائة تندرج ضمن خانة الآبار غير المنتجة مما يجعل خطر الاستكشاف مرتفعا ولا تتخطى امكانية النجاح 10 بالمائة.
وتوجد البئر على عمق يتجاوز 3 كلم مما يجعل من كلفه حفره وتجهيزه وصولا إلى مرحلة الانتاج مرتفعه وتتراوح كلفة بئر على اليابسة بين 15 مليون دولارو 20 مليون دولار وعلى مستوى البحر ما بين 40 و 50 مليون دولار.
وأفضت الوضعية إلى تراجع الانتاج من قرابة 80 ألف برميل خلال سنة 2000 إلى زهاء 35 ألف برميل يوميا في الوقت الحالي مما جعل البلاد ترزح تحت عجز طاقي يتراوح بين 50 و 60 بالمائة ودفع إلى مزيد توريد الخام وارتفاع كلفة الدعم.
الغاز الصخرى بحوض غدامس قد يقلص من العجز الطاقي لتونس
وفيما يتعلق بامكانية التوجه نحو الاستثمار في الغاز الصخري، أفاد الدكتور في الجيولوجيا البترولية ومستشار بالمؤسسة التونسية للأنشطة البترولية، الحبيب الطرودي، بإنه تم سنة 2010 إنجاز دراسة حول مكامن الغاز الصخرى شارك فيها مجموعة من المهندسين والخبراء على مستوى حوض غدامس بالجنوب التونسي وهي دراسة تعد مرجعية في المجال. وتوصلت النتائج إلى أن الغاز الصخرى بحوض غدامس يمكن أن يقلص من العجز الطاقي لتونس.
وأكدت الدراسة توفر ما بين 10 إلى 15 تريليون من الغاز علما وأن الدراسات الأمريكية في الغالب تعتمد على الدراسة التونسية وخاصة على مستوى الأرقام.
وأوضح في المقابل أن “استكشاف الغاز الصخرى يتطلب حفر بئر أو بئرين أو 3 آبار نموذجية للتوصل إلى حقيقة توفر الاحتياطيات من عدمها. وهذه العملية لم تقع إلى حد الآن في تونس رغم أن الجزائر قامت بحفر بئر نموذجية وتأكد الخبراء من وجود الغاز الصخري”.
وعبّر عن أمله في أن “تقدم التشريعات الجديدة مزيدا من الدعم لاستكشاف الطاقات الأحفورية والمكامن التقليدية وغير التقليدية إلى أن يحين الوقت الذي تبلغ فيه الطاقات البديلة ذروتها”.