صدر أخيراً: “أعلام من صفاقس، علامات ودلالات”.. للمؤرخ والكاتب الصحفي رضا القلال

العقل الذي يقفل صندوق أعلامه، لا يبصر المستقبل، فتاريخهم هو تراثنا.

صدر أخيراً: "أعلام من صفاقس، علامات ودلالات".. للمؤرخ والكاتب الصحفي رضا القلال

في هذا العنوان المكثف للكتاب الجديد للمؤرخ والكاتب الصحفي رضا القلال المعنون: “أعلام من صفاقس، علامات ودلالات” يواصل امتهان الحديث عن الآخرين من رجالات صفاقس. وفي ذات الوقت يفتح عينا أخرى باحثة عن المناضلات والرائدات والباحثات العالمات من نساء صفاقس، في كتاب واعد هو الأول من نوعه في الجهة.

وقد جمع الباحث في هذا الكتاب موازييك من 24 اسما رتبهم -وهذا مهم- بحسب الترتيب الالفبائي للألقاب تحت نظر الأستاذ عبد المجيد الحاج قاسم. وهذه الأسماء، كما جاء في الصفحة الرابعة من الغلاف، تنخرط في أنساق معرفية مختلفة، وفي مواقع متعددة وبتجارب في غاية من الثراء. والإنسان لا ينضج بالدروس والموعظة في البيت أو القسم أو الجامع، ولكنه ينضج بقراءة تجارب الآخرين وخبراتهم.

وعندما سألنا د. رضا القلال عن الهدف منهذا الكتاب الذي يتسع الى حالي 300 صفحة، أجابنا بالتواضع الذي يليق به: “أعتقد أن الكتابة عن مسيرة 24 شخصا ومنجزاتهم وأفعالهم هو في حقيقة الامر استدراج لمواطن القوة في التاريخ. ولا ابتعد عن الحقيقة عندما أقول أن تاريخهم هو تراثنا، والتماس في ذات الوقت لمواضع العقل والوطنية بالتالي جدارة الاقتداء لشحن قدرة الإنسان/القارئ على بناء ذاته ومجتمعه. فالكتاب يمزج بين الأحداث التاريخية والتفاصيل اليومية لحياة المحتفى بهم، وتوثيق اجتماعي واقتصادي وسياسي وشحنة مستقبلية للأجيال الصاعدة”.

وبرأيه ما ينبغي أن تكون أعلام المدينة في “الظل” فهم حمالة ألوية وأفكار وتجارب. وعليه فإن هذه الشخصيات الـ(24) جديرة بالإهتمام والتأمل والإنصات بحثا عن تدفقاتها في حياتنا. وكأنه يعتبرهم “عباقرة” وأصحاب سعادة وسفراء ورموز ومرايا…. سمحوا لنا ان نرى مجتمعنا بعيون مغايرة من صميم تجربتهم وعملهم وعلمهم وأفكارهم. وعند قراءة سيرهم ستجدون تجارب غامرة بالعمل والاجتهاد والتضحية والإنسانية، إنهم حقيقة رموز وهويات ومواقف تحمل “علامات ودلالات” ومعاني التسامح والذكاء. وكل علامة لها دال ومدلول يميزها عن علامة أخرى ذات دال ومدلول مختلفين. الكتاب في عنوانه الثانوي “علامات ودلالات” ومن خلال هذا الاختلاف يستمد القارئ المعانى.

الثقافة الحية تحتفي بأعلامها ورموزها

هذا الكتاب يقوم مقام الذاكرة الحية التي لا تموت. ذاكرة نخشى عليها من عربات الزمان فتطالها بالتجاهل والنسيان لهذا سيعقب هذا الكتاب في ج1 ، ج2. وعندما طلبنا منه أكثر توضيحا ذكر : “اذا كان العنوان بصيغة(أعلام من صفاقس) للتدليل على عبقرية المكان التي تمزج بين الجغرافيا والتاريخ والثقافة، فهذا لا يعني المدينة فقط بل الجهة وسيظهر ذلك واضحا في الجزء الثاني من الكتاب”.

شخصيات فذة ونادرة صنعت الأحداث بصمت وفاعلية ولم تتحدث عن نفسها يعتبرها الكثير قدوة ورمزا مرت مرور الكرام وفي غفلة عن كثير من الأطراف لم يتذكرها أحد، وما أحوج الشباب من الجنسين ان يعرفوهم ويقرؤون مسيرتهم. وقد ذكر الكتاب بعضا منها : من انتبه إلى مرور 100 سنة على ولادة المناضل الحبيب المعزون سنة 2021؟ ومن سيهتم بمرور105 سنة على ولادته سنة 2026، و75 سنة على اغتياله، وهو أول مهندس جيولوجي بتونس، سنة 2027؟ كم طرف انتبه السنة الماضية (2024) إلى مرور 100 سنة على ولادة المناضل أحمد الزغل؟ هذا العام نسجل مرور 100 سنة على ولادة عبد العزيز عشيش، والشيخ محمد المختار السلامي والشادلي القليبي الذي كانت له علاقات متينة بمدينتنا، بل عاش مع والده بطريق سيدي منصور عندما كان يعمل بصفاقس. وكلهم حازوا إعجاب الناس وحبهم، بعد أن غالبوا صعاب مجرى الأنهار، فمن يفكر في احتفاليتهم المائوية. مؤكدا إلى أن أي كتاب لا يفتح على قارئه أسئلة لا يحمل رسالة.

الكتاب جرعات معرفية عالية وتجارب وخبرات

جدير بالانتباه كما يلح المؤرخ والكاتب الصحفي رضا القلال، الذي تجاوزت مؤلفاته العشرة كتل، انه ليس أول واحد ولا آخر واحد يكتب عن هذا الموضوع. فعل ذلك محمود مقديش في “دائرته” وأبوبكر عبد الكافي في رجال وأعلام والمحقق محمد محفوظ في تراجم المؤلفين. ولحق بهم طيف واسع منهم د. حمادي ذويب ومحمد الحبيب السلامي وعبد اللطيف الهذيلي والقاضي رضا خماخم ود. وصال العش وعبد القادر المعالج والسيدة القايد وفاتن الحفيان ومحمد كمال جردق ونجيبة دربال ويونس العش وخالد عمار… ولكل واحد كان أسلوبه في الكتابة ومنهجيته ونوعية مقارباته وتحاليله وأسئلته!

الكتاب من الحجم المتوسط، جاء في تصميم أنيق وجذاب بمؤسسة غروب توب(الهادي نجاح)، وإنجاز مهني ومبهر في مطبعة نوفا برانت (شكيب يعيش) ويباع حصريا بمكتبة الإذاعة طريق منزل شاكر كلم0.5.

وفي المنتهى صفاقس التي لا نذكرها يوميا إلا بالانكسارات المتلاحقة، والهزائم ومسلسلات “الفتنة” والمخدرات والتتواج ووجوه التفاهة والانهزامية، يشكل هذا الكتاب تكثيفا ايجابيا للتاريخ، ويقدم صفاقس الخير والعمل والاجتهاد والابداع والنضال والتألق. إضافة إلى أنه مفعم بالحياة والأمل وبالمعنويات العالية.

تاريخ صفاقس، عمر ذويب

قد يعجبك ايضا