المرأة في عيد 13 أوت : الصورة ليست وردية كما يُقال !
دأبت البلاد منذ 64 عاما على الاحتفال السنوي بِعيد المرأة وهذه المناسبة تكون فُرصة نذْكُر فيها بالمكاسب الّتي تحققت لِفائدة النساء في تونس في 13 أوت 1956.
ومن أبرز تلك المكاسب صدور مجلة الأحوال الشخصية ودخولها حيز التنفيذ في 1 جانفي1957.
هذه المجلة أفادت البلاد نظرا لِصِبْغتِها العصريّة والتحديثية. فقد نظمت من جديد العلاقة بين المرأة والرجل٬ وأرست تنظيما جديدا للأسرة عن طريق منع تعدّد الزوجات٬ وفرض أن يكون الطلاق من أنظار المحاكم٬ وإبطال الجبر على الزواج واسْتبداله باشتراط رضا الزوجين لإتمام الزواج.
وعلى مرّ السنين كان المُحقق من المكاسبِ كثير٬ تشريعا وواقعا: تقنين المساواة في الدستور (الفصلان21 و46)٬ رفع التحفظات عن اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة ٬ وضع قانون متعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة٬ إقرار حق المرأة (بصفتها أم) في الترخيص لأبنائها القصر عند السفر إلى الخارج٬ السماح للتونسية بالزواج بمن تريد ولو كان غير مسلم٬ التناصف العمودي في الترشح إلى الانتخابات.
والأهم من ذلك كلُّه التحوّلٌ العميق الذي طرأ على بِنْيةِ المجتمع التونسي والذي من مظاهره: اكتساح المرأة للحياة العامة٬ اعتلاء المرأة مراتب متقدمة في مجالات عدّة٬ التحديث والتقدم الاجتماعي٬ نزعة اجتماعية نحو المساواة.
وعيد 13 أوت فُرصة مُواتية – أيضا – لِنُفاخر بِالرُواد من مُصلِحِي تونس. نحتفِي بِالطاهرالحدادِ وبالحبيب بورقيبة ونذكُر إسْهامِهما الحاسم في تحرير المرأة التونسية. وبِشخصيات أخرى مُهمّة في تاريخِنا٬ من ضِمْنِهم محمد العزيز جعيط (لائحة مجلة الأحكام الشرعية) وعبد العزيز الثعالبي (كتابه روح التحرر في القرآن) الذين كانت لهم أدوار قيمة في مُقاربة النّص الديني بِطريقة مُستنيرة. ولا ننسى – بالطبع – أن نُثنّي على نساء رائدات من بيْنهن توحيدة بالشيخ٬ خيرية بن عياد٬ بشيرة بن مراد, مي الجريبي….فنذكّر الأجيال الجديدة بِمآثرهن.
ولكن في العيد لا يجب أن يتوقف الأمرعند تثمين المنجز وإعلاء المحقّق. لأن في ذلك دعوة إلى الجمود والسكون وعدم التقدم. فلا مندوحة إذن عن ذِكْرِ ثغرات ونواقص٬ وهي كثيرة٬ تُعرقل تجسيم المساواة التامة والفعلية مع الرجال. وكُتبُ المظالم٬ في هذا المضمار٬ِ مُتعددة وغير قليلة. لعلّي أسمّي هنا تقرير 1 جوان 2018 للجنة الحريات الفردية والمساواة (الأستاذة بشرى بالحاج حميدة)٬ و مختلف تقارير المنظمات النسوية في الغرضِ.
وكان تقرير اللجنة قد أحْصى الأحكام المُخلّة في القانون بِمبدأ المساواة بين الرجال والنساء٬ أي تلك المتعلقة بِمظاهر التمييز ضد المرأة. وهي تشمل شروط الحصول على الجنسية التونسية٬ شروط الزواج (مهر- الولاية على زواج القاصر.. )٬ الحقوق والواجبات الزوجية (رئاسة العائلة – النفقة)٬ العلاقة بِالأبناء (التصريح بولادتهم – لقبهم – حضانتهم – الولاية عليهم – نفقتهم)٬ نظام المواريث٬ القانون الجبائي (إلحاق الواجب الضريبي للأبناء بِرئيس العائلة).
وبالمثلِ تنْتقد المُنظمات الحقوقيّة تلك المظاهر التمييزية الواقعة على النساء٬ ومظاهر أخرى تُفاقمُ من معاناتها بتعرّضها أكثر مما يتعرض له الرجل إلى الفقر والتهميش وضعف الأجور٬ وتُطالب بِوضع حدٍّ لها. فهي تُعدّ شكلا من أشكال العنف الرمزي الواقع عليهن والمُخلّة بمبدأ المساواة.
ولعلّ ما يُثير الانشغال – بِصفة خاصة في هذا العيد – هو ظاهرة تصاعد العنف ضد النساء بشقيه المادي والمعنوي. وما من شكّ أن هذا السلوك العدواني لا ينمّ سوى عن عقليّة غير سويّة لدى قسم من الرجال٬هي بِحاجة إلى تهذيب وتقويم٬ علاوة على وجوبية التطبيق الصارم للقانون. ونذكر على سبيل المثال هنا ما تعرضت له محامية أثناء أدائها لعملها بمركز الأمن المروج بتونس العاصمة من عنف مادي ومعنوي من قبل أعوان الأمن الذين لم يتم محاسبتهم الى يومنا هذا.
لذا وجب تطبيق القانون على كل شخص يقوم بانتهاك حقوق المرأة ويعتدي عليها بأي شكل من أشكال العنف.
الصورة إذن ليست وردية٬ عند النظر والتدقيق في واقع النساء ٬ وهن ينتظرن نيْل حقوقهن كاملة. لِهذا أقول ما قاله فولتير: ” اليوم كل شيء جيّد٬ فهذه مغالطة. غدا كل شيء سيكون جيدا، هذا أمل “.
الأستاذة ندى الهمامي المحامية / عضوة هيئة فرع صفاقس الشمالية لرابطة حقوق الانسان