إنتخابات غرف التجارة والصناعة لم تجر منذ 13 عاما…بوادر حلحلة تلوح في الأفق.. لوضع “مؤقت دائم” ؟
لا تزال غرف التجارة والصناعة في انتظار تنظيم انتخابات لتجديد أعضائها، رغم مرور ما لا يقل عن 13 عاما عن آخر موعد انتخابي فعلي خاص بهذه الهياكل (2007)، ما يعني دخول هيئات هذه الغرف في مرحلة فراغ قانوني منذ سنوات.
وكان من المفروض أن يقع تنظيم الانتخابات في أفريل 2012، غير أن العديد من العوامل والأسباب جعلت انتخابات الغرف تتعطل لنحو عشر سنوات.
ويخضع تسيير هذه الغرف، في الوقت الحاضر إلى أوامر حكومية تخول للهيئات الحالية مواصلة الإشراف إلى حين تنظيم انتخابات جديدة لم يقع الى 2020 تحديد موعدها من طرف وزارة التجارة، المشرفة قانونيا على تنظيم الانتخابات.
وظلّت غرف التجارة والصناعة الثماني، عالقة في الوضع المؤقت، ليتحول مع الوقت إلى وضع دائم، في بلد راكم خبرات في تنظيم استحقاقات انتخابية منذ سنة 2011، ويكتسب صفة الديمقراطية الناشئة.
ويطرح التأجيل المتواصل وغير المبرر لانتخابات هذه الغرف العديد من التساؤلات، لا سيما وان وزارة التجارة شهدت تداول ثمانية وزراء منذ 2011، لم ينجح أي منهم في حلحلة الملف وإجراء انتخابات تقطع نهائيا مع الوضعية المؤقتة.
سجال قضائي
تم إصدار أمرين حكوميين سنة 2013، تعلّق كلاهما بضبط تنظيم وتسيير هذه الغرف وبإجراءات انتخاب أعضائها.
ولكن سرعان ما اعترض عدد من رؤساء الغرف على هذين الأمرين، ما دفع حكومة “الترويكا” (2011-2014) إلى تنقيح بعض الفصول وتحديد يوم 29 ديسمبر 2013 موعدا للانتخابات، التي تأجلت بقرار من المحكمة الإدارية، تبعا لقضية رفعها بعض أعضاء غرف التجارة في سعي منهم لمنع هذه الانتخابات.
وعلل رؤساء الغرف في تلك الفترة، رفضهم إجراء الانتخابات، بالتخوف من تسييس الغرف، من جهة، وخاصة بوجوب تنقيح بعض فصول القانون الأساسي للغرف، من جهة أخرى.
وتعد تونس 8 غرف للتجارة والصناعة وهي غرفة تونس (تشرف على ولايات تونس الكبرى) وغرفة الوسط الشرقي بسوسة، وغرفة صفاقس، وغرفة الوطن القبلي بنابل، وغرفة الشمال الشرقي ببنزرت، وغرفة الشمال الغربي، وغرفة الجنوب الشرقي، وغرفة الجنوب الغربي.
أسباب موضوعية وقانونية ساهمت في التأجيل المتكرر للانتخابات
وأكد رئيس غرفة التجارة والصناعة لتونس، منير المؤخر، أن “رؤساء الغرف ليسوا طرفا فاعلا أو مباشرا في تنظيم الانتخابات، بل إن وزارة التجارة هي المسؤول الأول عن هذه المسألة”.
وقال المؤخر في حوار مع “وات”، إنّ هناك أسبابا موضوعية وقانونية ساهمت في التأجيل المتكرر للانتخابات، أهمها الوضعية السياسية في البلاد بعد 2011 التي حالت دون تنظيمها، ملاحظا أنه كان من المقرر إجراء الانتخابات سنة 2012.
وتتمثل الأسباب القانونية، أساسا، في وجود ثغرات في القانون المنظم لغرف التجارة والصناعة، وجب تنقيحها وتحيينها بما يتلاءم مع الواقع الجديد للبلاد، مع الأخذ بعين الاعتبار الواقع الاقتصادي الجديد لتونس بعد 2011، والذي يجب أن يكون فيه للغرف دور أكبر ومحوري في تنشيط الاقتصاد ودفع الحركية التجارية، وفق رأيه.
ولفت إلى أن رؤساء الغرف قدموا لسلطة الإشراف منذ 2015 عدة اقتراحات لمزيد تنظيم الغرف على مستوى توفير الموارد المالية وصلاحياتها ودورها في المنظومة الاقتصادية الجهوية ومزيد ترسيخ تموقعها في المشهد الاقتصادي للبلاد.
وشدد المتحدث على أن كل رؤساء الغرف غير متمسكين بالمناصب والكراسي، عكس ما يعتقده البعض مضيفا قوله “لقد ضحينا بوقتنا ومصالحنا المهنية حتى يواصل هذا المرفق دوره، ورفضنا تقديم الاستقالة لعدم إحداث فراغ قانوني”.
وعما إذا عطل تأجيل الانتخابات قيام الغرف بدورها على أكمل وجه، خاصة بعد 2011، لاحظ منير المؤخر أن كل الحكومات المتعاقبة والوزراء الذين أشرفوا على تسيير المرفق التجاري لم يهتموا بدور الغرف ولم يجعلوها في سلم أولوياتهم، رغم أن العديد من المتدخلين الاقتصاديين يقرون بأهميتها في دفع التصدير وتشبيك العلاقات الاقتصادية مع الدول الشقيقة والصديقة.
في المقابل، استدرك المتحدث موضحا أن وزير التجارة الجديد، محمد بوسعيد، يمكن أن يكون نقطة تحول في الملف لكونه ابن الوزارة وعلى دراية بالملف، مشيرا إلى أن رؤساء الغرف اجتمعوا به مؤخرا وتم تحسيسه بضرورة إجراء الانتخابات.
وجدد التأكيد على أن رؤساء الغرف على استعداد تام لتسليم الأمانة لهيئة جديدة منتخبة، لافتا إلى أن رؤساء الغرف حرصوا على إخراجها من كل التجاذبات السياسية التي سعت بعض الأطراف السياسية في 2012 إلى فرضها مما اضطر عددا من الرؤساء إلى رفع قضية استعجالية أمام المحكمة الإدارية وإبطال قرار وزير التجارة في تلك الفترة (عبد الوهاب معطر) إجراء انتخابات دون تنقيح القانون المنظم للغرف.
ويعود إحداث غرفة تونس للتجارة والصناعة، حسب المؤخر، إلى سنة 1885، وهي أقدم هيكل في البلاد.
وجوب الإسراع بإجراء الانتخابات
من جانبه، أقر رئيس غرفة والتجارة بصفاقس، رضا الفوراتي، بأن “انتخابات غرف التجارة والصناعة تأخرت أكثر من اللزوم”، إذ كان من المفروض إجراؤها سنة 2012، مؤكدا ل”وات”، أن كل رؤساء الغرف الثمانية يتساءلون بدورهم عن أسباب هذا التأخير من طرف وزارة التجارة المشرفة على إنجاز هاته الانتخابات.
ولاحظ أن القانون المنظم لانتخابات الغرف الصادر سنة 2006 يحمل عدة ثغرات، وقد يخول حصول تجاوزات في حال مواصلة العمل به، لا سيمل لجهة إمكانية تغول قطاع على حساب آخر، مثلا الخدمات على الصناعة أو التجارة، عند تركيز الهيئات الجديدة للغرف.
ويعتقد الفوراتي أن عملية تنقيح القانون الانتخابي للغرف تمثل “السبب الرئيسي والأساسي في تعطيل انجاز الانتخابات”.
وتابع المتحدث متسائلا “هل يروق الوضع الراهن لرؤساء الغرف حتى يواصلوا الإشراف على الغرف ؟”، ليجيب بالتأكيد على أن هذا الأمر غير مطروح بالمرة، مفندا كل الأحاديث والأقاويل التي تروج لمثل هذا التأويل.
ولفت، في هذا الإطار، إلى أن الغرف ما انفكت تطالب كل وزير تجارة جديد بالإسراع في إجراء الانتخابات للخروج من الباب الكبير، وفق تعبيره، وتسليم المشعل والأمانة إلى هيئات جديدة منتخبة.
الأمر بيد وزارة التجارة
بدوره، قال رئيس غرفة الصناعة والتجارة ببنزرت، محمد فوزي بن عيسى، إنه ليس هناك أي داع لكل هذا التأخير في إنجاز الانتخابات التي تأخرت لنحو 13 عاما. ولاحظ أن الأمر يرجع بالأساس إلى وزارة التجارة، المسؤولة الأولى عن هذا الملف، بالرغم من أن للغرف استقلالية التصرف المالي والإداري.
وأكد أن الإشكال العالق يتمثل في وجود بعض الفصول التي لم تتغير ولم تعد تواكب الوضعية الراهنة للبلاد.
وشدد بن عيسى في تصريح لـ”وات”، على ضرورة تغيير طريقة انتخاب أعضاء هيئات الغرف، من أجل تحقيق التوازن وضمان عدم تغول قطاع على حساب آخر.
يشار الى ان معدل أعضاء هيئات الغرف يبلغ حوالي 30 عضوا.
وعما إذا كانت هناك أسباب سياسية أجلت إجراء الانتخابات في موعدها، أفاد بن عيسى، بأن جهة سياسية معينة (تحفظ عن ذكرها) حرصت سنة 2012، وأساسا وزير التجارة آنذاك، عبد الوهاب معطر، على بسط نفوذها على الغرف، ما جعل اتحاد الصناعة والتجارة يتدخل بقوة ويرفض هذه الممارسات، وتم رفع قضية لدى المحكمة الإدارية لتأخير الانتخابات، بحسب روايته.
ملف شائك ومعقد
ولمزيد استجلاء الأمر اتصلت “وات”، بعدد من وزراء التجارة السابقين لمعرفة كيفية تعاطيهم مع هذا الملف. وفي هذا الصدد، أفاد رضا الأحول، بأنه كان من المفروض أن تقام الانتخابات سنة 2013، بيد أـنه أنه تبعا لشكاية تقدم بها اتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية إلى المحكمة الإدارية، تم توقيف الانتخابات، بسبب التمثيلية في انتخاب الغرف، إذ أن أغلب الغرف تشكو صعوبات، ذات صبغة مالية بالخصوص.
وأكد أن الوقت قد حان لمراجعة القانون الداخلي قبل إجراء الانتخابات، وذلك بإحداث لجنة في أقرب وقت تتولى إعادة النظر في المهام المنوطة بالغرف، وكيفية إجراء انتخابات على أساس التمثيلية القطاعية، بما يمكن من انتخاب جيل جديد يأخذ بعين الاعتبار تمثيلية قطاعات جديدة، وتمثيلية المرأة والشباب.
من جانبه، اعتبر محسن حسن، وزير التجارة الأسبق، أن ملف غرف التجارة والصناعة “شائك ومعقد”. وأضاف أنه سعى بكل جهده، لما كان على رأس الوزارة، لحلحلة الملف والإسراع بإنجاز الانتخابات، كما سعى إلى انجاز تنقيح القانون الأساسي المنظم للغرف.
وصرح بأنه اجتمع في عدة مرات مع رؤساء الغرف واستمع إلى مشاغلهم، مؤكدا أن هذه الغرف يمكنها أن تضطلع بدور هام في دفع التنمية واستحثاث نسق الاستثمار، شريطة دعمها لوجستيا، والعمل على التفكير في إيجاد طرق لتحسين مواردها المالية.
وذكر محسن حسن بأن ملف انتخابات غرف التجارة “اصطدم بعراقيل سياسية، من خلال حرص بعض الأطراف السياسية (تحفظ عن ذكرها)، على أن تبقى الأمور على حالها، علاوة على تمسك بعض رؤساء الغرف بمناصبهم.
ودعا إلى وجوب إجراء انتخابات غرف التجارة والصناعة في أقرب وقت ممكن حتى تقوم بدورها الاقتصادي والتجاري، من منطلق أنها تمثل مرآة الاقتصاد التونسي في الخارج.
تنقيح القانون ثم إجراء الانتخابات
وشدد وزير التجارة وتنمية الصادرات، محمد بوسعيد، على أنه على اقتناع راسخ بوجوب إجراء انتخابات غرف التجارة والصناعة، وإنهاء الفترة المؤقتة التي دامت طويلا.
غير أنه أكد في تصريح ل(وات)، أهمية تنقيح القانون المنظم للغرف من أجل إعطاء دفع جديد لها، كي تلعب دورا أكثر فاعلية في تنشيط الاقتصاد وطنيا وجهويا.
وأفاد بأنه اجتمع مؤخرا برؤساء الغرف، وتم التفاق على عقد اجتماعات دورية، وجعل الاجتماعات نقطة قارة من أجل التباحث في سبل تطوير عملها، وخاصة تشريكها في أهم الملفات ذات العلاقة بالقطاع التجاري، نظرا للخبرة التي اكتسبتها هذه الغرف في استكشاف الأسواق الخارجية.
ولئن اعتبر عضو الحكومة أن مسألة إجراء الانتخابات “من تحصيل الحاصل”، فإنه يرى أنه “من الضروري تنقيح المنظم لقانون الغرف، والارتقاء بها إلى مرتبة أعلى وأرفع، حتى تكون إحدى رافعات تطوير القطاع التجاري في تونس، وفي صميم الاستراتيجية الجديدة التي بصدد وضعها الوزارة”.
وخلص إلى انه طلب من رؤساء الغرف مد الوزارة بتصورات ومقترحات تنقيح القانون المنظم لها.
وات – تحرير محرز الماجري