باحثة في الاقتصاد : مسامير الهشاشة تدق في نعش قوة اقتصاد إسـ.ــرائيل و الاقتصاد العالمي
دولة إسرائيل أو ارض الميعاد كما سماها المشروع الصهيوني وطن مزعوم انبثق على الأراضي الفلسطينية من العدم و امتلأ بمستوطنين أتوا من مختلف أصقاع العالم قصد بناء إمبراطورية لا تقهر فضلت العيش محاطة بالحواجز المدججة بالسلاح برا و بحرا و بالجدران العازلة تحت الأرض و فوقها و بالأسلاك الشائكة و كاميرات المراقبة وتقوم بتخصيص ميزانية ضخمة للتسليح و للتدريبات العسكرية لجيش الاحتياط المؤلف من الإناث و الذكور و لبناء الحواجز و امتلاك أهم جهاز مخابرات في العالم.
حظيت بدعم أمريكي و أوروبي سببه لم يكن يوما المحبة و أو الامتنان بل هدفه زرع “سوسة” وسط دول الشرق الأوسط لتنخره و تحرمه الراحة و الأمان و الوحدة. قدم اليهود الأثرياء حول العالم و الدول الداعمة لهذا المشروع الصهيوني بالإضافة إلى التعويضات المالية الألمانية عن محرقة الهولوكوست كل الإمكانيات المادية و اللوجستية لجعل إسرائيل قوة اقتصادية و عسكرية منافسة لدول المنطقة المتواجدة بها.
سعت إسرائيل في بداياتها إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي و التعويل على النفس و ذلك لتوتر علاقاتها مع الدول الرافضة لقيام الكيان الصهيوني على الأراضي الفلسطينية في البداية حتى تمكنت من فرض الاعتراف بها من طرف هذه الدول الذين تحولوا لموردين لبضائعها.
عملت إسرائيل لسنوات حتى تمتلك اقتصادا ضخما رغم استمرار التهديدات الأمنية المحيطة بها و انغماسها في الحروب مع دول طوق إسرائيل فقد تحدت الظروف المناخية للمكان و وسعت رقعة الأراضي الصالحة للزراعة باستعمال تقنيات زراعية حديثة تهدف إلى تقليص كميات المياه المخصصة للقطاع الفلاحي و عمدت إلى إنشاء محطات تحلية المياه و ذلك لندرة مواردها المائية. تعتمد إسرائيل في اقتصادها بشكل كبير على صناعات التكنولوجيا الحديثة التي باتت تحتل نصف صادراتها و صناعة الرقاقات الالكترونية و مختلف أجزاء الكمبيوتر و تخصصت في الذكاء الاصطناعي و الأمن السيبراني و التطبيقات و قد نجحت في استقطاب كبرى الشركات في هذا المجال ليشيدوا فروعا لهم و مراكز بحث و تطوير داخل إسرائيل بالإضافة إلى استحواذها على سوق تجارة الألماس في العالم و تطويرها لصناعة الأسلحة وإنتاج الطاقة من المفاعلات النووية و الطاقات المتجددة و تشجيعها للشركات الناشئة و للمستثمرين. أصبح الكيان المحتل وجهة سياحة هامة حيث قدر عدد السياح الوافدين على إسرائيل في الستة أشهر الأولى من سنة 2023 ب 2 مليون سائح بلغت عائداتهم 3.1 مليار دولار. تضم إسرائيل اليوم 9.7 مليون نسبة توصلوا إلى تحقيق نمو اقتصادي قدر ب %6.5 سنة 2022 و قدرت نسبة الناتج لمحلي الإجمالي ب521 مليار دولار أي ما يعادل 50 ألف دولار نصيب الفرد الواحد.
لكن رغم كل هذه المميزات تظل ديمومة الاقتصاد الإسرائيلي مرتبطة بالدعم الأمريكي الذي يستمر بضخ الأموال في خزينة الإسرائيليين و يساهم بشكل مباشر في توطيد العلاقات بينهم و بين مختلف دول العالم وفي الحفاظ على منظومة الدفاع.
شهدت إسرائيل في الفترة الأخيرة اضطرابات سياسية و احتجاجات لرفض شعبها الإصلاحات القضائية و تراجع شعبية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيمين نتنياهو إضافة إلى عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023 التي هزت عرش هذا الأخير حيث تعالت الأصوات المنادية باستقالته خاصة من قبل عائلات الأسرى الذين يقرون بفشل حكومته زيادة إلى اهتزاز ثقة الشعب بجهاز المخابرات الإسرائيلي الذي صنف بالأقوى في العالم.
أدت عملية طوفان الأقصى إلى إعلان حالة الطوارئ و لشلل كلي للاقتصاد الإسرائيلي و توقف القطاعات الحيوية عن العمل من أهم أسبابه استدعاء 360 ألف جندي من جنود الاحتياط المتمثلين في الموظفين و العملة و المسيرين لدواليب الاقتصاد و توقف السياحة و إلغاء الرحلات الجوية إلى إسرائيل وتعطل الصناعة فقد أضحت شركاتها مهددة بالإفلاس و انسحاب المستثمرين الأجانب. ساهم التحاق هذه القوة العاملة بالجيش في غلق المصانع و الشركات و إهمال الزراعة و توقف حقول الغاز عن الإنتاج من أهمهم حقل تمار الذي أغلق منذ 9 أكتوبر و الذي يعتبر أهم مزود للطاقة في إسرائيل و يمثل 1.5% من الإنتاج العالمي و إغلاق الموانئ أبرزهم ميناء عسقلان و توقف الملاحة و عملية تصدير الغاز إلى مصر و الأردن و أوروبا التي باتت ترفض توريد الغاز الروسي و تبحث عن منافذ توريد أخرى من بينها التزود بالغاز الإسرائيلي عبر مصر و هو ما يدفع إلى ارتفاع أسعار المواد الطاقية ب 11% في الأسواق العالمية و يلوح بتفاقم أزمة الغاز في أوروبا.
يتكبد الاقتصاد الإسرائيلي خسائر فادحة بشكل يومي في ظل استمرار الحرب على غزة فهي تستنزف كما هائلا من الأموال بشكل يومي على غرار الانحدار المتواصل لبورصة تل أبيب التي تراجعت ب%8 اثر عملية طوفان الأقصى و تراجع سعر صرف الشيكل أمام الدولار إلى 3.98 رغم محاولة البنك المركزي الإسرائيلي ضخ 45 مليار دولار في السوق المالية قصد تغطية العجز مما انجر عنه إعلان إمكانية خفض التصنيف الائتماني لإسرائيل من قبل وكالتي FITCHE ET MOODY’S .
ففي النهاية لا يمكن لإسرائيل أن تستمر في الحرب لفترة زمنية طويلة و تصمد أمام تجميد اقتصادها و تصحر إنتاجها و شح إمداداتها و تفاقم التضخم و انخراط اليد العاملة في الحرب و تخصيص كل مواردها المالية للعمليات العسكرية لتواجه شبح الإفلاس إلا أنها تستعد اليوم للاجتياح البري لغزة مستخفة بقدرات العدو و متحديتا كل الدول العربية و معززة بدعم عسكري من الحلفاء الاستراتيجيين لها الذين تؤيدون جرائمها و تعمدوا إفشال قمة القاهرة للسلام قصد تهجير أهل غزة للأراضي المصرية رامين عرض الحائط شعاراتهم الغناء عن حقوق الإنسان و هو ما سيتسبب في اندلاع حرب إقليمية ستكون نتائجها كارثية على الاقتصاد العالمي و على البشرية جمعاء.
أميرة بوزيد باحثة في الاقتصاد بكلية العلوم الاقتصادية و التصرف بصفاقس.